لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ١٦٨
فيقال : إن الفعل بتعمّد يحصل فيكون معرّضا لتقصير فاعله، أمّا الرؤيا فلا تكون بتعمد منه فتنسب إلى نقصان.
و يقال إنّ حقّ السّرّ الكتمان ولو كان على من هو قريب منك فإن يوسف لما أظهر سرّ رؤياه على أبيه اتصل به البلاء.
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥]
قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)
إذا جاء القضاء لا ينفع الوعظ والحذر فإن النصيحة والحذر لا يزيدان على ما نصح يعقوب ليوسف عليهما السلام، ولكن لمّا سبق التقدير فى أمر يوسف - عليه السلام - حصل ما حصل.
ويقال إن يوسف خالف وصية أبيه فى إظهار رؤياه إذ لو لم يظهرها لما كادوا له، فلا جرم بسبب مخالفته لأبيه - وإن كان صبيا صغيرا - لم يعر من البلايا.
ويقال لما رأى يوسف فى منامه ما كان تأويله سجود الإخوة له رأى ما تعبيره : وسجود أبيه وخالته حيث قال تعالى :«وَالشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» فدخل الإخوة الحسد «١» أما الأب فلم يدخله إلا بنفسه لفرط شفقة الأبوة.
ويقال صدق تعبيره فى الإخوة فسجدوا له حيث قال :«وَ، خَرُّوا لَهُ سُجَّداً» ولم يسجد الأب ولا خالته حيث قال :«وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ» فإن يوسف صانهما عن ذلك مراعاة لحشمة الأبوة.
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦]
وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
أي كما أكرمك بهذه الرؤيا التي أراكها يجتبيك ويحسن إليك بتحقيق هذه الرؤيا، وكما أكرمك بوعد النعمة أكرمك بتحقيقها.
ويقال الاجتباء ما ليس للمخلوق فيه أثر، فما يحصل للعبد من الخيرات - لا بتكلفه ولا بتعمده - فهو قضية الاجتباء.
١) وردت (الحد) والصواب أن تكون الحسد (انظر توضيح ذلك بعد قليل صفحة ١٧٠) ودخول الأب كان بنفسه ولم يكن بقلبه، وكان سببه شدة الإشفاق على ولده.