لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ١٨٧
كان ابتداء بلاء يوسف - عليه السلام - بسبب رؤيا رآها فنشرها وأظهرها، وكان سبب نجاته أيضا رؤيا رآها الملك فأظهرها، ليعلم أنّ اللّه يفعل ما يريد فكما جعل بلاءه فى إظهار رؤيا جعل نجاته فى إظهار رؤيا «١» ليعلم الكافة أن الأمر بيد اللّه يفعل ما يشاء.
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٤]
قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤)
حال الرؤيا لا يختلف بالخطأ فى التعبير، فإنّ القوم حكموا بأن رؤياه أضغاث أحلام فلم يضره ذلك، ولم يؤثّر فى صحة تأويلها.
قوله :«وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ» : من طلب الشيء من غير موضعه لم ينل مطلوبه، ولم يسعد بمقصوده.
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٥]
وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥)
لمّا كان المعلوم للّه والمحكوم أن يوسف عليه السلام يكون فى ذلك الوقت هو من يعبّر الرؤيا - قبض القلوب حتى خفى عليها تعبير تلك الرؤيا، ولم يحصل للملك ثلج الصّدر إلا بتعبير يوسف «٢»، ليعلم أنّ اللّه - سبحانه - إذا أراد أمرا سهل أسبابه.
ويقال : إن اللّه تعالى أفرد يوسف عليه السلام من بين أشكاله بشيئين : بحسن الخلقة وبزيادة العلم فكان جماله سبب بلائه، وصار علمه سبب نجاته، لتعلم مزيّة العلم على غيره، لهذا قيل : العلم يعطى وإن كان يبطى.
(١) بهدف القشيري إلى شىء بعيد هو أن المقاييس الإنسانية نسبية ولا تؤدى حتما إلى الصواب، وبالتالى لا ينبغى تطبيقها على ما يجرى فى الكون من تصاريف إلهية.
(٢) يصلح هذا التصور - على نحو ما - لتفسير كرامات الأولياء.