لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ١٩٠
شفقة منه عليهم، وهذه صفة الأولياء : أن يكونوا خصم أنفسهم، ولهذا قيل : الصوفي دمه هدر وملكه مباح «١» - ولذلك قال :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٣]
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)
لمّا تمدّح بقوله :«ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ» كأنه نودى فى سرّه : ولا حين هممت؟
فقال :«وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي!» «٢» ويقال : قوله «لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ» بيان الشكر على ما عصمه اللّه، وقوله :
«وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي» بيان العذر لما قصّر فى أمر اللّه، فاستوجب شكره زيادة الإحسان، واستحقّ بعذره العفو.
والعفو باد من قوله :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٤]
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)
لما اتضحت للملك طهارة فعله ونزاهة حاله استحضره لاستصفائه لنفسه، فلمّا كلمه وسمع بيانه رفع محلّه ومكانه، وضمنه برّه وإحسانه، فقال :«إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ» قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٥]
قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)
إنما سأل ذلك ليضع الحقّ موضعه، وليصل نصيب الفقراء إليهم، فطلب حقّ اللّه تعالى فى ذلك، ولم يطلب نصيبا لنفسه.
ويقال لم يقل إنى حسن جميل بل قال : إنى حفيظ عليم أي كاتب حاسب، ليعلم أنّ الفضل فى المعاني لا فى الصورة.

_
(١) هذا تعريف الصوفي عند سهل بن عبد اللّه التستري (الرسالة ص ١٣٩).
(٢) هذا نموذج لمقاومة دعوى النفس ومحاربة اغترارها على الدوام، وعدم الاطمئنان إلى مصالحتها.


الصفحة التالية
Icon