لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢٠٤
ثم اعترف بوجدان الجزاء على الصبر فى مقاساة الجهد والعناء فقال :«إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ».
و سمعت الأستاذ أبا على الدقاق - رحمه اللّه - يقول لما قال يوسف :«إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ» أحال فى استحقاق الأجر على ما عمل من الصبر... فأنطقهم اللّه حتى أجابوه بلسان التوحيد فقالوا :«تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا» يعنى ليس بصبرك يا يوسف ولا بتقواك، وإنما هو بإيثار اللّه إياك علينا فبه تقدمت علينا بحمدك وتقواك. فقال يوسف - على جهة الانقياد للحقّ :«لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ» فأسقط عنهم اللوم، لأنه لمّا لم يرتقواه من نفسه حيث نبّهوه عليه نطق عن التوحيد، وأخبر عن شهود التقدير «١».
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٩١]
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١)
اعترفوا بالفضل ليوسف - عليه السلام - حيث قالوا : لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا، وأكّدوا إقرارهم بالقسم بقولهم «تَاللَّهِ» وذلك بعد ما جحدوا فضله بقولهم :«لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»، وهكذا من جحد فلأنه ما شهد، ومن شهد فما جحد.
ويقال لمّا اعترفوا بفضله وأقرّوا بما اتصفوا به من جرمهم بقولهم :«وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ وجدوا التجاوز عنهم حين قال يوسف :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٩٢]
قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)
أسرع يوسف فى التجاوز عنهم، ووعد يعقوب لهم بالاستغفار بقوله :«سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي» لأنه كان أشدّ حبا لهم فعاتبهم، وأما يوسف فلم يرهم أهلا للعتاب فتجاوز عنهم على الوهلة، وفى معناه أنشدوا :
ترك العتاب إذا استحق أخ منك العتاب ذريعة الهجر
١) خلاصة رأى الدقاق أنه ليس بعمل الإنسان يصل ولكن بفضل اللّه واختياره، وحتى عمل الإنسان فهو أيضا يتم بفضل اللّه واختياره.. وذلك أصل من أصول المذهب القشيري كما وضح فى مواضع متفرقة.