لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢١٧
فمن سبخ «١» ومن حجر ومن رمل.. أنواع مختلفة، وأزواج متفقة. وزروع ونبات وأشجار أشتات، وأصل الكل واحد، فأجزاؤها متماثلة، وأبعاضها متشاكلة، ولكن جعل بعضها غدقا «٢»، وبعضها قشرا، وبعضها غصنا، وبعضها جذعا، وبعضها أزهارا، وبعضها أوراقا.. ثم الكلّ واحد، وإن كان لكلّ واحد طبع مخصوص وشكل مخصوص، ولون مخصوص وقشر مخصوص مع أنها تسقى بماء واحد إذ يصل إلى كل جزء من الشجر من الماء مقدار ما يحتاج إليه، «وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ».
قوله جل ذكره :
[سورة الرعد (١٣) : آية ٥]
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥)
و إن تعجب - يا محمد - لقولهم فهذا موضع يتعجّب منه الخلق، فالعجب لا يجوز فى صفة الحقّ «٣»، إذ أن التعجب الاستبعاد والحقّ لا يستبعد شيئا، وإنما أثبت موضع التعجب للخلق، وحسن ما قالوا :«إنما تعجّب من حجب» لأنّ من ينل عيون البصيرة لا يتعجّب من شى ء.
وقوم أطلقوا اللفظ بأن هذا من باب الموافقة أي إنك إن تعجب فهذا عجب موافقتك له.
وإطلاق هذا - وإن كان فيه إشارة إلى حالة لطيفة - لا يجوز، والأدب السكوت عن أمثال هذا. والقوم عبّروا عن ذلك فقالوا : أعجب العجب قول ما لا يجوز فى وصفه العجم.. وإن تعجّب.
وقوله تعالى :«أَإِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» : استبعادهم النشأة الثانية - مع إقرارهم بالخلق الأول وهما فى معنى واحد - موضع التعجب، إذ هو صريح
(١) السبخ المكان يظهر فيه الملح وتسوخ فيه الأقدام (الوسيط).
(٢) الغدق من العشب بالله وريه (الوسيط)
(٣) إشارة إلى ما في الآية (فعجب قولهم..).