لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢٢٢
المؤمن يسجد للّه طوعا، وإذا نزل به ضر ألجأه إلى أن يتواضع ويسجد، وذلك معنى سجوده كرها - وهذا قول أهل التفسير. والكافر يسجد طائعا مختارا، ولكن لمّا كان سجوده لطلب كشف الضّرّ قال تعالى : إنه يسجد كرها وعلى مقتضى هذا كلّ من يسجد لابتغاء عوض أو لكشف محنة.
ويقال السجود على قسمين : ساجد بنفسه وساجد بقلبه فسجود النّفس معهود «١»، وسجود القلب من حيث الوجود.. وفرق بين من يكون بنفسه، وواجد بقلبه.
ويقال الكلّ يسجدون للّه إمّا من حيث الأفعال بالاختيار، أو من حيث الأحوال بنعت الافتقار والاستبشار : سجود من حيث الدلالة على الوحدانية فكلّ جزء من عين أو أثر فعلى الوحدانية شاهد، وعلى هذا المعنى للّه ساجد. وسجود من حيث الشهادة على قدرة الصانع واستحقاقه لصفات الجلال.
قوله جل ذكره :
[سورة الرعد (١٣) : آية ١٦]
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)
سلهم - يا محمد - من موجد السماوات والأرض ومقدّرها، ومخترع ما يحدث فيها ومدبّرها؟ فإن أسكتهم عن الجواب ما استكنّ فى قلوبهم من الجهل فقل اللّه منشيها ومجريها.
ثم قال :«أَفَاتَّخَذْتُم ْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ»
: يعنى الأصنام، وهى جمادات لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا، ويلتحق فى المعنى بها كلّ من هو موسوم برقم الحدوث، فمن علّق قلبه بالحدثان ساوى - من وجه - من عبد الأصنام، قال تعالى :«وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ» «٢».

_
(١) أي السجود فى الصلوات العادية بالنسبة للكافة، وأما سجود القلب فللخاصة.
(٢) آية ١٠٦ سورة يوسف.


الصفحة التالية
Icon