لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢٥١
وضعوا الكفران محل الشكر، فاستعملوا النعمة للكفر، بدلا من استعمالها فيما كان ينبغى لها من الشكر. واستعمال النعمة فى المعصية من هذه الجملة، فأعضاء العبد كلها نعم من اللّه على العبد، فإذا استعمل العاصي بدنه فى الزّلة بدلا من أن يستعملها فى الطاعة فقد بدّل النعمة كفرا، وكذلك إذا أودع الغفلة قلبه مكان المعرفة، والعلاقة فيه مكان الانقطاع إليه، وعلّق قلبه بالأغيار بدل الثقة به، ولطّخ لسانه بذكر المخلوقين ومدحهم بدل ذكر اللّه واشتغل بغير اللّه دون العناء فى ذكره... كلّ هذا تبديل نعم اللّه كفرا. وإذا كان العبد منقطعا إلى اللّه، مكفيا من قبل اللّه.. وجد فى فراغه مع اللّه راحة عن الخلق، ومن إقباله عليه - سبحانه - كفاية، فإذا رجع إلى أسباب التفرقة، ووقع فى بحار الاشتغال ومعاملة الخلق ومدحهم وذمهم فقد أحلّ قومه دار البوار على معنى إيقاعه قلبه ونفسه وجوارحه فى المذلة من الخلق، والمضرة فى الحال، وشأنه كما قيل :
و لم أر قبلى من يفارق جنّة ويقرع بالتطفيل باب جهنم
قوله جل ذكره :
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢٩]
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ (٢٩)
و هى الجحيم المعجّل.. وعذابها الفرقة لا الحرقة.
قوله جل ذكره :
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣٠]
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠)
رضوا بأن يكون معمولهم معبودهم، ومنحوتهم مقصودهم، فضلّوا عن نهج الاستقامة، ونأوا عن مقر الكرامة، وسيلقون غبّ «١» ما صنعوا يوم القيامة كما قيل :
قد تركناك والذي تريد فعسى أن تملّهم فتعودا
قل تمتعوا أياما قليلة فأيام السرور قصار، ومتع الغفلة سريعة الانقضاء.
قوله جل ذكره :
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣١]
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ (٣١)

_
(١) وردت (غير) وقد آثرنا أن تكون (غب) ليقوى المعنى أي عاقبة ما صنعوا.


الصفحة التالية
Icon