لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢٦٨
و يقال إذا هبّت رياح القرب على قلوب العارفين عطّرتها بنفحات الأنس، فيسقون فى نسيمها على الدوام، وفى معناه أنشدوا :
و هبّت شمال آخر الليل قرّة «١» ولا ثوب إلا بردة وردائيا
و ما زال بردى لينا من ردائها إلى الحول حتى أصبح البرد باليا
و يقال إذا هبّت رياح العناية على أحوال عبد عادت مساويه مناقبه ومثالبه محاسنه.
قوله جل ذكره :
[سورة الحجر (١٥) : آية ٢٣]
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣)
نحيى قلوبهم بالمشاهدة، ونميت نفوسهم بالمجاهدة.
ويقال نحييهم بأن نفنيهم بالمشاهدة، ونميتهم بأن نأخذهم عن شواهدهم.
ويقال يحيى المريدين بذكره، ويميت الغافلين بهجره.
ويقال يحيى قوما بموافقة الأمر فى الطاعات، ويميت قوما بمتابعة الشهوات.
ويقال يحيى قوما بأن يلاطفهم بلطف جماله، ويميت قوما بأن يحجبهم عن أفضاله.
قوله جل ذكره :
[سورة الحجر (١٥) : آية ٢٤]
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)
العارفون مستقدمون بهممهم، والعابدون مستقدمون بقدمهم، والتائبون بندمهم.
وأقوام مستأخرون بقدمهم وهم العصاة، وآخرون مستأخرون بهمومهم وهم الراضون بخسائس الحالات.
ويقال المستقدمون الذين يسارعون فى الخيرات، والمستأخرون المتكاسلون عن الخيرات.
ويقال المستقدمون الذين يستجيبون خواطر الحقّ - من غير تعريج إلى تفكر، والمستأخرون الذين يرجعون «٢» إلى الرّخص والتأويلات.
ويقال المستقدمون الذين يأتون على مراكب التوفيق، والمستأخرون الذين تثبطهم مشقة الخذلان.
(١) قرة أي باردة. [.....]
(٢) وردت (يرجون) وهى خطا فى النسخ - حسبما نعرف من رأى القشيري فى مثل هذا الموقف.