لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢٧
من عزيز تلك النصرة أنه لم يستأنس بثانيه الذي كان معه بل رد الصّدّيق إلى اللّه، ونهاه عن مساكنته إياه، فقال : ما ظنّك باثنين اللّه ثالثهما؟
قال تعالى :«إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا».
ويقال من تلك النصرة إبقاؤه إياه فى كشوفاته فى تلك الحالة، ولو لا نصرته لتلاشى تحت سطوات كشفه.
ويقال كان - عليه السلام - أمان أهل الأرض على الحقيقة، قال تعالى :
«وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ» «١»، وجعله - فى الظاهر - فى أمان العنكبوت حين نسج خيطه على باب الغار فخلّصه من كيدهم.
ويقال لو دخل هذا الغار لا نشقّ نسيج العنكبوت.. فيا عجبا كيف ستر قصة حبيبه - صلوات اللّه عليه وعلى آله وسلم؟! ويقال صحيح ما قالوا : للبقاع دول، فما خطر ببال أحد أنّ تلك الغار تصير مأوى ذلك السيّد - صلى اللّه عليه وسلم! ولكنه يختص بقسمته ما يشاء كما يختص برحمته من يشاء.
ويقال ليست الغيران «٢» كلها مأوى الحيّات، فمنها ما هو مأوى الأحباب. ويقال علقت قلوب قوم بالعرش فطلبوا الحق منه، وهو تعالى يقول :
«إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا» فهو سبحانه - وإن تقدّس عن كل مكان - ولكن فى هذا الخطاب حياة لأسرار أرباب المواجيد، وأنشدوا :
يا طالب اللّه فى العرش الرفيع به لا تطلب العرش إن المجد فى الغار
و فى الآية دليل على تحقيق صحبة الصدّيق - رضى اللّه عنه - حيث سمّاه اللّه سبحانه صاحبه، وعدّه ثانيه، فى الايمان ثانيه، وفى الغار ثانيه ثم فى القبر ضجيعه، وفى الجنة يكون رفيقه.

_
(١) آيه ٣٣ سورة الأنفال.
(٢) الغار يجمع على أغوار وغيران


الصفحة التالية
Icon