لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢٧٠
و يقال الملائكة لا حظوه بعين الخلقة فاستصغروا قدره وحاله، ولهذا عجبوا من أمر اللّه - سبحانه - لهم بالسجود له، فكشف لهم شظية مما اختصّه به فسجدوا له.
قوله : إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ : وكذا أمر من حجب عن أحواله ادّعى الخيرة وبقي فى ظلمة الحيرة.
ويقال بخل بسجدة واحدة، وقال : أستنكف أن أسجد لغير اللّه. ثم من شقاوته لا يبالى بكثرة معاصيه، فإنه لا يعصى أحد إلّا وهو سبب وسواسه، وداعيه إلى الزّلّة.
و ذلك هو عين الشّقوة وقضية الخذلان.
قوله جل ذكره :
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]
قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥)
سأله ومعلوم له حاله، ولو ساعدته المعرفة لقال : قل لى مالك؟ وما منعك؟ ومن منعك حتى أقول. أنت... حيث أشقيتني، وبقهرك أغويتني، ولو رحمتني، لهديتنى وفى كنف عصمتك آويتنى... ولكنّ الحرمان أدركه حتى قال :«لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ» قوله جل ذكره :
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)
و لمّا أبعده الحقّ - سبحانه - عن معرفته، وأفرده باللعنة استنظره إلى يوم القيامة والبعث، فأجابه. وظنّ اللّعين أنه حصل فى الخبر مقصوده، ولم يعلم أنه أراد بذلك تعذيبه عذابا شديدا، فكأنه كان فى الحقيقة مكرا - وإن كان فى الحال فى صورة إجابة السؤال بما يشبه اللطف والبرّ.
وبعض أهل الرجاء يقول : إن الحق - سبحانه - حينما يهين عدوّه لا يردّ دعاءه