لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢٧٢
و جرّدهم عن حولهم وقوّتهم، وكان النائب عنهم فى جميع تصرفاتهم وحالاتهم، وحفظ عليهم آداب الشرع، وألبسهم صدار الاختيار فى أوان أداء التكليف، وأخذهم عنهم باستهلاكهم فى شهوده، واستغراقهم فى وجوده... فأىّ سبيل للشيطان إليهم؟ وأي يد للعدو عليهم؟
و من أشهده الحقّ حقائق التوحيد، ورأى العالم مصرّفا فى قبضة التقدير، ولم يكن نهبا للأغيار... فمنى يكون للّعين عليه تسلط، وفى معناه قالوا :
جحودى فيك تقديس وعقلى فيك تهويس
فمن آدم إلّاك ومن فى البيت إبليس «١»
قوله جل ذكره :
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)
اجتمعوا اليوم فى أصل الضلالة، ثم الكفر ملل مختلفة، ثم يجتمعون غدا فى العقوبة وهم زمر مختلفون، لكلّ دركة من دركات جهنم قوم مخصّون.
قوله جل ذكره :
[سورة الحجر (١٥) : آية ٤٥]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (٤٥)
المتقى من وقّاه اللّه بفضله لا من اتّقى بتكلّفه، بل إنه ما اتقى بتكلفه إلّا بعد أن وقّاه الحقّ - سبحانه - بفضله. هم اليوم فى جنات ولها درجات بعضها أرفع من بعض، كما أنهم غدا فى جنّات ولها درجات بعضها فوق بعض.
اليوم لقوم درجة حلاوة الخدمة وتوفيق الطاعة، ولقوم درجة البسط والراحة، ولآخرين درجة الرجاء والرغبة، ولآخرين درجة الأنس والقربة، قد علم كلّ أناس مشربهم ولزم كلّ قوم مذهبهم.
قوله جل ذكره :
[سورة الحجر (١٥) : آية ٤٦]
ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦)
.
١) هذان البيتان للحلاج (الطواسين ص ٤٣) والديوان المقطعة رقم ٢٨ ومعناهما : أننى لو سجدت لغيرك - حسبما أمرتنى - فأنا جاحد، ولكن - نظرا لمعرفتى بك - فإن جحودى عين تقديسى، لأننى أعلم أنه لا يستحق السجود على الحقيقة إلا أنت، فأنا راض باحتمال لعنتك ثمنا لعدم امتثالى لإرادتك.