لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٢٨٧
لا يعلم تفصيله «١» سواه.. وكيف يعلم من أخبر الحقّ - سبحانه - أنه لا يعلم؟
قوله جل ذكره :
[سورة النحل (١٦) : آية ٩]
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)
قوم هداهم السبيل، وعرّفهم الدليل، فصرف عن قلوبهم خواطر الشكّ، وعصمهم عن الجحد والشّرك، وأطلع فى قلوبهم شمس العرفان، وأفردهم بنور البيان. وآخرون أضلّهم وأغواهم، وعن شهود الحجج أعماهم، وفى سابق حكمه من غير سبب أذلّهم وقمعهم «٢»، ولو شاء لعرّفهم وهداهم.
قوله جل ذكره :
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)
أنزل المطر وجعل به سقيا النبات، وأجرى العادة بأن يديم به الحياة، وينبت به الأشجار، ويخرج الثمار، ويجرى الأنهار.
ثم قال :«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ثم قال بعده بآيات :«لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»، ثم قال بعده :«لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ». وعلى هذا الترتيب تحصل المعرفة «٣»، فأولا التفكر ثم العلم ثم التذكر، أولا يضع النظر موضعه فإذا لم يكن فى نظره خلل وجب له العلم لا محالة، ولا فرق بين العلم والعقل فى الحقيقة، ثم بعده استدامة النظر وهو التذكر.
ويقال إنما قال :«لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» : على الجمع لأنه يحصل له كثير من العلوم حتى يصير

_
(١) وردت (تفضله) وهى خطأ من الناسخ.
(٢) (قمعهم) - قهرهم وذلهم. على أننا لا نستبعد - حسبما نعرف من كلف القشيري بالخوض على الموسيقى اللفظية - أنها ربما كانت (أقماهم) أي صغرهم وأذلهم (انظر آية ٤ سورة القصص المجلد الثالث).
(٣) هذه نقطة هامة إذا أردنا أن ندرس مذهب المعرفة عند الصوفية عموما، والقشيري بخاصة


الصفحة التالية
Icon