لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٣١٩
و يقال ما عندكم من اشتياقكم إلى لقائنا فمعرّض للزوال، وقابل للانقضاء، وما وصفنا به أنفسا من الإقبال لا يتناهى وأفضال لا تفنى، كما قيل :
ألا طال شوق الأبرار إلى لقائى وإنى للقائهم لأشدّ شوقا
قوله :«وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا...» : جزاء الصبر الفوز بالطّلبة، والظّفر بالبغية.
ومآلهم فى الطلبات يختلف : فمن صبر على مقاساة مشقة فى اللّه. فعوضه وثوابه عظيم من قبل اللّه، قال تعالى :«إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ» «١».
و من صبر عن اتباع شهوة لأجل اللّه، وعن ارتكاب هفوة مخافة للّه فجزاؤه كما قال تعالى : أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً» «٢».
ومن صبر تحت جريان حكم اللّه، متحققا بأنه بمرآة من اللّه فقد قال تعالى :«إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» «٣».
قوله جل ذكره :
[سورة النحل (١٦) : آية ٩٧]
مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)
الصالح ما يصلح للقبول، والذي يصلح للقبول ما كان على الوجه الذي أمر اللّه به. وقوله «مَنْ عَمِلَ صالِحاً» : فى الحال، «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً» : فى المآل فصفاء الحال يستوجب وفاء المآل، والعمل الصالح لا يكون من غير إيمان، ولذا قال :«وَهُوَ مُؤْمِنٌ».
ويقال «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أي مصدّق بأن إيمانه من فضل اللّه لا بعمله الصالح. ويقال «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أي مصدّق بأن عمله بتوفيق اللّه وإنشائه وإبدائه. قوله «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً» :

_
(١) آية ١٠ سورة الزمر.
(٢) آية ٧٥ سورة الفرقان.
(٣) صبر العبد مع اللّه أشد أنواع الصبر ويكون - كما يقول عمرو بن عثمان : بالثبات مع اللّه، وتلقى بلائه بالرحب والدعة.
وصبر اللّه مع العبد يصفه الشيخ الدقاق بقوله : فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من اللّه تعالى معيته. (الرسالة ص ٩٣).


الصفحة التالية
Icon