لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٣٣٩
أن الخير فى ألا يجيبه، والاستعجال - فيما يختاره العبد - غير محمود، وأولى الأشياء السكون والرضا بحكمه سبحانه، إن لم يساعده الصبر وسأل فالواجب ترك الاستعجال، والثقة بأنّ المقسوم لا يفوته، وأنّ اختيار الحقّ للعبد خير له من اختياره لنفسه.
قوله جل ذكره :
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٢]
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢)
جعل الليل والنهار علامة على كمال قدرته، ودلالة على وجوب وحدانيته فى تعاقبهما وتناوبهما، وفى زيادتهما ونقصانهما.
ثم جعلهما وقتا صالحا لإقامة العبادة، والاستقامة على معرفة جلال إلهيته فالعبادة شرطها الدوام والاتصال، والوظائف حقّها التوفيق والاختصاص ولو وقع فى بعض العبادات تقصير أو حصل فى أداء بعضها تأخير تداركه بالقضاء حتى يتلافى التقصير.
ويقال من وجوه الآيات فى الليل والنهار إفراد النهار بالضياء من غير سبب، وتخصيص الليل بالظلام بغير أمر مكتسب «١»، ومن ذلك قوله تعالى :«فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً» : وهو اختلاف أحوال القمر فى إشراقه ومحاقه، فلا يبقى ليلتين على حال واحدة، بل هو فى كل ليلة فى منزل آخر، إما بزيادة أو بنقصان.
وأمّا الشمس فحالها الدوام.. والناس كذلك أوصافهم فأرباب التمكين الدوام شرطهم، وأصحاب التلوين التنقل «٢» حقّهم، قال قائلهم :
ما زلت أنزل من ودادك منزلا تتحير الألباب دون نزوله
(١) أي أن أفعال اللّه بمخلوقاته لا تخضع لعلة أو سبب، أو حيلة أو كسب.
(٢) يقصد بالتنقل هنا التقلب فى الأحوال.. وليس التنقل من مكان إلى مكان.