لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٣٧
لو وقفوا مع اللّه بسرّ الرضا لأتتهم فنون العطاء وتحقيقات المنى، ولحفظوا مع اللّه - عند الوجدان «١» - ما لهم من الأدب، من غير معاناة تعب، ولا مقاساة نصب.. ولكنّهم عرّجوا فى أوطان الطمع فوقعوا فى الذّلّ والحرب.
قوله جل ذكره :
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٠]
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)
«٢» تكلّم الفقهاء فى صفة الفقير، والفرق بينه وبين المسكين لما احتاجوا إليه فى قسمة الزكاة المفروضة.. فأبو حنيفة رحمة اللّه عليه - يقول : المسكين الذي لا شىء له. والفقير الذي له بلغة من العيش.
ويقول الشافعي رحمة اللّه عليه : الفقير الذي لا شىء له، والمسكين الذي له بلغة من العيش - أي بالعكس.
وأهل المعرفة اختلفوا فيه فمنهم من قال بالأول، ومنهم من قال بالقول الثاني، واختلافهم ليس كاختلاف الفقهاء وذلك لأن كلّ واحد منهم أشار إلى ما هو حاله ووقته ووجوده وشربه ومقامه. فمن أهل المعرفة من رأى أنّ أخذ الزكاة المفروضة أولى، قالوا إن اللّه تعالى جعل ذلك ملكا للفقير، فهو أحلّ له مما يتطّوع به عليه.
ومنهم من قال : الزكاة المفروضة مستحقة لأقوام، ورأوا الإيثار على الإخوان أولى من أن يزاحموا أرباب السهمان - مع احتياجهم أخذ الزكاة - وقالوا : نحن آثرنا الفقر اختيارا.
فلم نأخذ الزكاة المفروضة؟

_
(١) أي عند وجود النعمة
(٢) نلفت النظر إلى أهمية موقف القشيري عند استخراج إشارات من هذه الآية الكريمة، فقد كانت فرصة جيدة لكى يقارن بين نظرة الفقهاء ونظرة الصوفية


الصفحة التالية
Icon