لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٣٨٧
قوله جل ذكره : فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ما داموا مأخوذين عنهم لم يكن لهم طلب لأكل ولا شرب ولا شىء من صفة النّفس، فلمّا ردّوا إلى التمييز أخذوا فى تدبير الأكل أوّل ما أحسوا بحالهم، وفى هذا دلالة على شدة «١» ابتداء الخلق بالأكل.
قوله جل ذكره : وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً تواصوا فيما بينهم بحسن التّخلق وجميل الترفّق، أي ليتلطف مع من يشترى منه شيئا.
ويقال أوصوا من يشترى لهم الطعام أن يأتيهم بألطف شىء وأطيبه، ومن كان من أهل المعرفة لا يوافقه الخشن من الملبوس ولا المبتذل فى المطعم من المأكول.
ويقال أهل المجاهدات وأصحاب الرياضات طعامهم الخشن ولباسهم كذلك «٢».
والذي بلغ المعرفة لا يوافقه إلا كل لطيف، ولا يستأنس إلا بكل مليح.
قوله جل ذكره :
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٠]
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
تواصوا فيما بينهم بكتمان الأسرار عن الأجانب «٣» وأخبر أنهم إن اطلعوا عليهم وعلى أحوالهم بالغوا فى مخالفتهم إمّا بالقتل وإما بالضرب وبما أمكنهم من وجوه الفعل، ولا يرضون
(١) شدة هنا معناها ضرورة.
٢) معنى هذا أن القشيري يميز بين مطعم وملبس أصحاب الرياضات ومطعم وملبس أهل المعرفة، وربما كان سبب ذلك أن أهل المعرفة الواجب عليهم ستر أحوالهم عن الخلق، بدليل قوله فيما بعد :«تواصوا فيما بينهم بكتمان الأسرار عن الأجانب».
(٣) من هذا نفيم ضرورة أن يكتم أرباب الأحوال أسرارهم، وإلا تعرضوا لأذى الذين لا يدركون حقائق أحوالهم، وقد يصل الأذى إلى حد الضرب والقتل (تذكر قصة الحلاج وغيره).