لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٤٣٢
لم يغادر الخليل شيئا من الشفقة على أبيه، ولم ينفعه جميل وعظه، ولم تنجع فيه كثرة نصحه فإنّ من أقصته سوابق التقدير لم تخلّصه لواحق التدبير.
قوله جل ذكره :
[سورة مريم (١٩) : آية ٤٦]
قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)
مناه ابراهيم بجميل العقبي، فقابله بتوعّد العقوبة فقال :
لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا.
فأجابه الخليل بمقتضى سكون البصيرة فقال :
[سورة مريم (١٩) : آية ٤٧]
قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)
و هذا قبل أن ييأس من إيمانه، إذ كانت لديه بعد بقية من الرجاء فى شانه، فلمّا تحقق أنه مختوم له بالشقاوة قال له :
[سورة مريم (١٩) : آية ٤٨]
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨)
«ما تَدْعُونَ» : أي ما تعبدون، «وَأَدْعُوا رَبِّي» : أي أعبده.
قوله جل ذكره :
[سورة مريم (١٩) : آية ٤٩]
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩)
لما أيس من أصله آنسه اللّه بما أكرمه من نسله، فأنبتهم نباتا حسنا، ورزقهم النبوة، ولسان الصدق بالذكر لهم على الدوام «١» فقال :
(١) ربما يشير القشيري بذلك إلى :(الصلاة على ابراهيم وعلى آل ابراهيم) فى تشيد كل صلاة،