لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٤٨٠
و يكون الحق بمعنى ذى الحقّ، ويكون بمعنى محقّ الحق. كل ذلك صحيح.
قوله جل ذكره : وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.
كان يتعجل بالتلقف من جبريل مخافة النسيان، فأمره بالتثبت فى التلقين، وأمّنه من طوارق النسيان، وعرّفه أن الذي يحفظ عليه ذلك هو اللّه.
والآية تشير إلى طرف من الاحتياط فى القضاء بالظواهر قبل عرضها على الأصول، ثم إن لم يوجد ما يوجب بالتحقيق أجراه على مقتضى العموم بحقّ اللفظ، بخلاف قول أهل التوقف.
فالآية تشير إلى التثبت فى الأمور وضرورة التمكث واللبث قصدا للاحتياط «١».
قوله :(و قل ربّ زدنى علما) : فإذا كان أعلم البشر، وسيّد العرب والعجم، ومن شهد له الحقّ بخصائص العلم حين قال «وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ»
«٢» يقال له :«وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» - علم أنّ ما يخصّ به الحقّ أولياءه من لطائف العلوم لا حصر له.
ويقال أحاله على نفسه «٣» فى استزادة العلم. وموسى عليه السلام أحاله على الخضر حتى قال له :«هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً» فشتان بين عبد أحيل على عبد فى ذلك ثم قيل له :«إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» ثم بعد كل ذلك التلطف قال له فى آخر الأمر :
«هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ»... وبين عبد أمره عند استزادة العلم بأن يطلبه من قبل ربه فقال : قل يا محمد :«وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً»! ويقال لما قال عليه السلام :«أنا أعلمكم باللّه وأخشاكم له» «٤»، قال له :«وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» ليعلم أنّ أشرف خصال العبد الوقوف فى محلّ الافتقار، والاتصاف بنعت الدعاء دون الوقوف فى معرض الدعوى «٥».

_
(١) هذا يوضح مدى تحفظ المصنف واحتياطه في تناول النص النقلى.
(٢) آية ١١٣ سورة النساء.
(٣) (على نفسه) الضمير هنا يعود على الحق سبحانه كما سيتضح بعد قليل.
(٤) البخاري عن أنس :(و اللّه إنى لأخشاكم اللّه وأتقاكم له).
والشيخان عن عائشة :(و اللّه إنى لأعلمكم باللّه وأشدكم له خشية).
(٥) أي أن يكون العبد داعيا لا دعيا.


الصفحة التالية
Icon