لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥١٥
و يقال لم يكن هذا القول من أيوب ولكنه استغاثة البلاء منه، فلم يطق البلاء صحبته فضجّ منه البلاء لا أيوب ضجّ من البلاء.. وفى معناه أنشدوا.
صابر الصبر فاستغاث به الصبر فصاح المحبّ بالصبر صبرا
و يقال همزة الاستفهام فيه مضمرة، ومعناه : أ يمسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين؟ كما قال «وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ» «١» أي أ تلك نعمة تمنها علىّ أن عبدت بنى إسرائيل؟
و يقال إن جبريل - عليه السلام - أتى أيوب فقال : لم تسكت؟ فقال : ماذا أصنع؟
فقال : إنّ اللّه سببان عنده بلاؤك وشفاؤك... فاسأل اللّه العافية فقال أيوب : إنى مسنى الضّر، فقال تعالى :«فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ» والفاء تقتضى التعقيب، فكأنه قال :
فعافيناه فى الوقت. وكأنه قال : يا أيوب، لو طلبت العافية قبل هذا لاستجبنا لك.
ويقال سقطت دودة كانت تأكل من بدنه على الأرض فرفعها أيوب ووضعها على موضعها، فعقرته عقرة عيل صبره فقال : مسنى الضر، فقيل له : يا أيوب : أتصبر معنا؟
لو لا أنى ضربت تحت كل شعرة من شعراتك كذاخيمة من الصبر.. ما صبرت ساعة! ويقال كانت الدودات التي تأكل منه أكلت ما علا بدنه، فلم يبق منه إلا لسانه وقلبه، فصعدت دودة إلى لسانه، وأخرى إلى قلبه فقال :
«مَسَّنِيَ الضُّرُّ»... فلم يبق لى إلا لسان به أذكرك، أو قلب به أعرفك، وإذ لم يبق لى ذلك فلا يمكننى أن أعيش وأصبر! ويقال استعجمت عليه جهة البلاء فلم يعلم أنه يصيبه بذلك تطهيرا أو تأديبا أو تعذيبا أو تقريبا أو تخصيصا أو تمحيصا... وكذلك كانت صحبته «٢».
ويقال قيل لأيوب عليه السلام سل العافية فقال :
عشت فى النّعم سبعين سنة فحتى يأتى علىّ سبعون سنة فى البلاء.. وعندئذ أسأل اللّه العافية!
(١) آية ٢٢ سورة الشعراء.
(٢) أي وهكذا كانت صحبة الحق لوليه دائما.