لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥٢٢
لأن أمرهما كان معجزة ودلالة، ويصح أن يراد أنّ كلّ واحد منهما آية - على طريقة العرب فى أمثال هذا.
وفيه نفى لتهمة من قال إنها حبلت من اللّه... تعالى اللّه عن قولهم! قوله (آية للعالمين) : وإن لم يهتد بهما جميع الناس.. لكنهما كانا آية. ومن نظر فى أمرهما، ووضع النظر موضعه لاهتدى، وإذا أعرض ولم ينظر فالآية لا تخرج عن كونها حجّة ودلالة بتقصير المقصّر فى بابها.
قوله جل ذكره :
سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٢]
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢)
أي كلكم خلقته، وكلكم اتفقتم فى الفقر، وفى الضعف، وفى الحاجة. «وَأَنَا رَبُّكُمْ» :
و خالقكم على وصف التّفرّد.
قوله جل ذكره :
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٣]
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣)
اختلفوا وتنازعوا، واضطربت أمورهم، وتفرّقت أحوالهم، فاستأصلتهم البلايا.
قوله :(كلّ إلينا راجعون) : وكيف لا... وهم ما يتقلبون إلّا فى قبضة التقدير؟
قوله جل ذكره :
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٤]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَ إِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤)
من تعنّى للّه لم يخسر على اللّه، ومن تحمّل للّه مشقة وجب حقّه (على) «١» اللّه : قوله : وهو مؤمن) بعد قوله :(يعمل من الصالحات) دليل على أن من لا يكون مؤمنا لا يكون عمله صالحا ففائدة قوله هاهنا :(و هو مؤمن) فى المآل والعاقبة، فقد يعمل الأعمال الصالحة من لا يختم له بالسعادة، فيكون فى الحال مؤمنا وعمله يكون على الوجه الذي آمن ثم لا ثواب له، فإذا كانت عاقبته على الإسلام والتوحيد فحينئذ لا يضيع سعيه.
(١) نرجح أنها فى الأصل (من) لأن القشيري فى مواضع شتى عارض أي وجوب (على) اللّه..
وطا لما أوضحنا ذلك فى الهوامش.