لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥٤
و يقال هو الذي يعلم أنّ الحادثات كلّها من اللّه تعالى.
ويقال هو الذي يقوم بحقوق ما نيط به أمره فلو كان طير فى حكمه وقصّر فى علفه - لم يكن محسنا.
قوله جل ذكره :
[سورة التوبة (٩) : آية ٩٢]
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢)
منعهم الفقر عن الحراك فالتمسوا من الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن يحملهم معه ويهبىء أسبابهم، ولم يكن فى الحال للرسول عليه السلام سعة ليوافق سؤلهم، وفى حالة ضيق صدره - صلى اللّه عليه وسلم - حلف إنه لا يحملهم، ثم رآهم صلى اللّه عليه وسلم يتأهبون للخروج، وقالوا فى ذلك، فقال عليه السلام : إنما يحملكم اللّه.
فلمّا ردّهم الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - عن الإجابة فى أن يحملهم رجعوا عنه بوصف الخيبة كما قال تعالى :«تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ» كما قال قائلهم :
قال لى من أحبّ والبين قد حلّ ودمعى مرافق لشهيقى
ما ترى فى الطريق تصنع بعدي؟ قلت : أبكى عليك طول الطريق قوله :«حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ» شقّ عليهم أن يكون على قلب الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - بسببهم شغل فتمنّوا أن لو أزيح هذا الشغل، لا ميلا إلى الدنيا ولكن لئلا تعود إلى قلبه - عليه السلام - من قبلهم كراهة، ولهذا قيل :
من عفّ خفّ على الصديق لقاؤه وأخو الحوائج ممجج مملول
ثم إنّ الحقّ - سبحانه - لمّا علم ذلك منهم، وتمحضت قلوبهم للتعلّق باللّه، وخلت عقائدهم عن مساكنة مخلوق تدارك اللّه أحوالهم فأمر اللّه رسوله عليه السلام أن يحملهم.. بذلك جرت سنّته، فقال :«وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا» «١»
(١) آية ٢٨ سورة الشورى.