لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥٩٣
قوله جل ذكره :
[سورة النور (٢٤) : آية ٢]
الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)
و العقوبة على الزنا شديدة أكيدة، ولكن جعل إثبات أمره وتقرير حكمه والقطع بكونه على أكثر الناس خصلة عسيرة بعيدة إذ لا تقبل الشهادة عليه حتى يقول : رأيت ذلك منه فى ذلك منها! وذلك أمر ليس بالهّين، فسبحان من أعظم العقوبة على تلك الفعلة الفحشاء، ثم جعل الأمر فى إثباتها بغاية الكدّ والعناء! وحين اعترف واحد له بذلك قال له صلى اللّه عليه وسلّم : لعلّك قبّلت.. لعلّك لا مست، وقال لبعض أصحابه :«استنكهوه» «١» وكلّ ذلك روما لدرء الحدّ عنه، إلى أن ألحّ وأصرّ على الاعتراف.
قوله جل ذكره : وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ما يأمر به الحقّ فالواجب مقابلته بالسمع والطوع.
والرحمة من موجب الشرع وهو المحمود، فأمّا ما يقتضيه الطّبع والعادة والسوء فمذموم غير محمود. ونهى عن الرحمة على من خرق الشرع، وترك الأمر، وأساء الأدب، وانتصب فى مواطن المخالفة.
ويقال نهانا عن الرحمة بهم، وهو يرحمهم بحيث لا يمحو عنهم - بتلك الفعلة الفحشاء - رقم الإيمان، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» «٢» ولو لا رحمته لما استبقى عليه حلّة إيمانه مع قبيح جرمه وعصيانه.

_
(١) وردت الإشارة إلى حادث «ما عز» في هامش سبق، وقوله «استنكهوه» اى ابحثوا هل فى فمه ريح الخمر، وبعدها سأله النبي للمرة الأخيرة «أ زتيت؟ فقال نعم. فأمر به فرجم» صحيح مسلم ط أولى سنة ١٩٣٠ م المصرية بالأزهر ج ١١ ص ١٩٩.
(٢) عن أبى سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب أنهما قالا : عن أبى هريرة أن النبي (ص) قال (لا يزنى... ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) صحيح مسلم ج ٢ ص ٤١.


الصفحة التالية
Icon