لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥٩٨
عاتبهم على المبادرة إلى الاعتراض وبسط ألسنتهم بالسوء عنها، وتركهم الإعراض عن حرم النبي صلى اللّه عليه. ثم قال : وهلّا جاءوا على ما قالوا بالشهداء؟ وإذا لم يجدوا ذلك فهلّا سكتوا عن بسط اللسان؟
قوله جل ذكره :
[سورة النور (٢٤) : آية ١٤]
وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤)
لأنه أخبر أن جرمهم - وإن كان عظيما - فإنه فى علم اللّه عنهم غير مؤثّر، ولو لا أن اللّه - سبحانه - ينتقم لأوليائه ما لا ينتقم لنفسه فلعلّه لم يذكر هذه المبالغة فى أمرهم فإنّ الذي يقوله الأجانب والكفار فى وصف الحق - سبحانه - بما يستحيل وجوده وكونه يوفى ويربى على كل سوء - ثم لا يقطع عنهم أرزاقهم، ولا يمنع عنهم أرفاقهم، ولكن ما تتعلّق به حقوق أوليائه - لا سيما حق الرسول صلى اللّه عليه وسلم - فذاك عظيم عند اللّه.
قوله جل ذكره :
سورة النور (٢٤) : آية ١٥]
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥)
بالغ فى الشكاية منهم لما أقدموا عليه بما تأذّى به قلب الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - وقلوب جميع المخلصين من المسلمين.
ثم قال :«وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» : وسبيل المؤمن ألا يستصغر فى الوفاق طاعة، ولا يستصغر فى الخلاف زلّة فإنّ تعظيم الأمر تعظيم للآمر. وأهل التحقيق لا ينظرون ما ذلك الفعل ولكن ينظرون من الآمر به.
ويقال : يسير الزّلّة - يلاحظها العبد بعين الاستحقار - فتحبط كثيرا من الأحوال، وتكدّر كثيرا من صافى المشارب.


الصفحة التالية
Icon