لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٦٠٥
الخواص لا يرون لأنفسهم ملكا يتفردون به لا من الأموال المنقولة ولا من المساكن التي تصلح لأن تكون مدخولة، فمن فاتحهم بشىء منها فلا يكون منهم منع ولا زجر، ولا حجب لأحد ولا حظر.. هذا فيما نيط بهم. أمّا فيما ارتبط بغيرهم فلا يتعرّضون لمن هى فى أيديهم لا باستشراف طمع، ولا بطريق سؤال، ولا على وجه انبساط «١». فإن كان حكم الوقت يقتضى شيئا من ذلك فالحقّ يلجىء من فى يده الشيء ليحمله إليه بحكم التواضع والتقرّب، والولىّ يأخذ ذلك بنعت التعزّز، ولا يليق معنى ذلك إلا بأحوال تلك القصة «٢»، وأنشد بعضهم فى هذا المعنى :
و إنى لأستحى من اللّه أن أرى أسير بخيل ليس منه بعير
و أن أسأل المرء اللئيم بعيره وبعران ربّى فى البلاد كثير
قوله جل ذكره :
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٨]
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨)
فى هذا حفظ أمر اللّه وحفظ حرمة صاحب الدار لأنّ من دخلها بغير إذن صاحبها ربما تكون فيها عورة منكشفة، وربما يكون لصاحب الدار أمر لا يريد أن يطّلع عليه غيره، فلا ينبغى أن يدخل عليه من غير استئذان.
وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ.

_
(١) يقول السرى السقطي فى مثل هذا السياق :«أعرف طريقا مختصرا قصدا إلى الجنة. فقيل له ما هو؟ فقال : لا تسأل من أحد شيئا. ولا تأخذ من أحد شيئا، ولا يكن معك شىء تعطى منه أحدا «الرسالة ص ١١».
(٢) أي بأرباب الطريق الصوفي


الصفحة التالية
Icon