لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٦٤٦
و يقال الحق يجود على الأولياء - إذا توكلوا - بتيسير السبب من حيث يحتسب ولا يحتسب، ويجود على الأصفياء بسقوط الأرب... وإذا لم يكن الأرب فمتى يكون الطلب؟
و يقال التوكل فى الأسباب الدنيوية إلى حدّ، فأمّا التوكل على اللّه فى إصلاحه - سبحانه - أمور آخرة العبد فهذا أشدّ غموضا، وأكثر خفاء. فالواجب فى الأسباب الدنيوية أن يكون الشكون عن طلبها غالبا، والحركة تكون ضرورة أ فأمّا فى أمور الآخرة وما يتعلّق بالطاعة فالواجب البدار والجدّ والانكماش، والخروج عن أوطان الكسل والجنوح إلى الفشل.
والذي يتّصف بالتواني فى العبادات، ويتباطؤ فى تلافى ما ضيّعه من إرضاء الخصوم والقيام بحقّ الواجبات، ثم يعتقد فى نفسه أنه متوكّل على اللّه وأنه - سبحانه - يعفو عنه فهو متّهم معلول الحال، ممكور مستدرج، بل يجب أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه.
ثم بعد ذلك لا يعتمد على طاعته، ولا يستند إلى سكونه وحركته، ويتبرّأ بسرّه من حوله وقوّته. ثم يكون حسن الظنّ بربّه، ومع حسن ظنه بربه لا ينبغى أن يخلو من مخافته، اللهم إلا أن يغلب على قلبهما يشغله فى الحال من كشوفات الحقائق عن الفكرة فى العواقب فإن ذلك - إذا حصل - فالوقت غالب، وهو أحد ما قيل فى معانى قولهم : الوقت سيف «١» قوله جل ذكره :
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٩]
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩)
انتظم به الكون - والعرش من جملة الكون - ولم يتجمّل الحقّ - سبحانه - بشى ء

_
١) فى هذا المعنى يقول القشيري «أي كما أن السيف قاطع فالوقت بما يمضيه الحق ويجريه غالب، وكما أن السيف لين مسه قاطع حده فمن لاينه سلم، ومن خاشنه اصطلم كذلك الوقت من استسلم لحكمه نجا، ومن عارضه انتكس وتردى، ومن ساعده الوقت فالوقت له وقت، ومن ناكده الوقت فالوقت عليه مقت.
وسمعت الأستاذ أبا على الدقاق يقول : الوقت مبرد يسحقك ولا يمحقك»
الرسالة ص ٣٤.


الصفحة التالية
Icon