لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٨٩
فقدناه لمّا تمّ واختمّ بالعلى كذاك كسوف البدر عند تمامه
و من وجوه تشبيه الأحوال الدنيوية بالماء المنزّل من السماء أن المطر لا ينزل بالحيلة، كذلك الدنيا لا تساعدها إلا القسمة.
ثم إن المطر إن كان لا يجىء إلا بالتقدير فقد يستسقى.. كذلك الرزق - وإن كان بالقسمة - فقد يلتمس من اللّه ويستعطى.
ومنها أن الماء فى موضعه سبب حياة الناس، وفى غير موضعه سبب خراب الموضع، كذلك المال لمستحقه سبب سلامته، وانتفاع المتصلين به، وعند من لا يستحقه سبب طغيانه، وسبب بلاء من هو متصل به، كما قيل : نعم اللّه لا تعاب ولكنه ربما استعجم على إنسان، وكما قيل :
يا دولة ليس فيها من المعالي شظيّة زولى فما أنت إلا على الكرام بليّة
و منها أن الماء إذا كان بمقدار كان سبب الصلاح، وإذا جاوز الحدّ كان سبب الخراب..
كذلك المال إذا كان بقدر الكفاية والكفاف فصاحبه منعّم، وإذا زاد وجاوز الحدّ أوجب الكفران والطغيان.
ومنها أن الماء ما دام جاريا كان طيبا، فإذا طال مكثه تغيّر.. كذلك المال إذا أنفقه صاحبه كان محمودا، فإذا ادّخره وأمسكه كان معلولا مذموما.
ومنها أن الماء إذا كان طاهرا كان حلالا يصلح للشرب ويصلح للطهور ولإزالة الأذى، وإذا كان غير طاهر فبالعكس.. كذلك المال إذا كان حلالا، وبعكسه لو كان حراما.
ويقال كما أن الربيع تنورد أشجاره، وتظهر أنواره، وتخضرّ رباعه، وتتزين بالنبات وهاده وتلاعه، لا يؤمن أن تصيبه آفة من غير ارتقاب، وينقلب الحال بما لم يكن فى الحساب. كذلك من الناس من تكون له أحوال صافية، وأعمال بشرط الخلوص زاكية غصون أنسه متدلّيه، ورياض قربه مونقه.. ثم تصيبه عين فيذبل عود وصاله، وتنسدّ أبواب عوائد إقباله، كما قيل :
عين أصابتك إن العين صائبة والعين تسرع أحيانا إلى الحسد