لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١١٧
سبحانه فطر كلّ أحد على ما علم أنه يكون في السعادة أو الشقاوة، ولا تبديل لحكمه، ولا تحويل لما عليه فطره. فمن علم أنه يكون سعيدا أراد سعادته وأخبر عن سعادته، وخلقه في حكمه سعيدا. ومن علم شقاوته أراد أن يكون شقيا وأخبر عن شقاوته وخلقه فى حكمه شقيا.. ولا تبديل لحكمه، هذا هو الدين المستقيم والحقّ الصحيح «١» قوله جل ذكره :
[سورة الروم (٣٠) : آية ٣١]
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَ اتَّقُوهُ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١)
أي راجعين إلى اللّه بالكلية من غير أن تبقى بقية، متصفين بوفاقه، منحرفين بكل وجه عن خلافه، متقّين صغير الإثم وكبيره، قليله وكثيره، مؤثرين يسير وفاقه وعسيره، مقيمين الصلاة بأركانها وسننها وآدابها جهرا، متحققين بمراعاة فضائلها سرا.
قوله جل ذكره :
[سورة الروم (٣٠) : آية ٣٢]
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)
أقاموا في دنياهم في خمار الغفلة، وعناد الجهل والفترة فركنوا إلى ظنونهم، واستوطنوا مركب أوهامهم، وتموّلوا من كيس غيرهم، وظنوا أنهم على شى ء.
فإذا انكشف ضباب وقتهم، وانقشع سحاب جحدهم.. انقلب فرحهم ترحا، واستيقنوا أنهم كانوا في ضلالة، ولم يعرّجوا إلّا في أوطان الجهالة.
قوله جل ذكره :
[سورة الروم (٣٠) : آية ٣٣]
وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣)
.

_
١) نحسب أن القشيري قد حاول إيضاح مشكلة هامة من مشاكل علم الكلام، فليست الجبرية عنده بناقضة لحرية الإنسان واختياره، ما دامت الأمور كلها مرتبطة بعلم اللّه الذي سبق كل شى ء، وبفضل اللّه الذي فطر على ما علم.


الصفحة التالية
Icon