لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١٣٣
و انظر من الذي يسمع صوتك حتى تستفيق من خمار غفلتك «إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» : فى الإشارة هو الذي يتكلم في لسان المعرفة من غير إذن من الحقّ. وقالوا :
إنه الصوفيّ يتكلم قبل أوانه.
ويقال إنما ينهق الحمار عند رؤية الشيطان فلذلك كان صوته أنكر الأصوات.
قوله جل ذكره :
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٠]
أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠)
أثبت في كل شىء منها نفعا لكم، فالسماء لتكون لكم سقفا، والأرض لتكون لكم فراشا، والشمس لتكون لكم سراجا، والقمر لتعلموا به عدد السنين والحساب، والنجوم لتهتدوا بها.
«وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً» : الإسباغ ما يفضل عن قدرة الحاجة ولا تحتاج معه إلى الزيادة.
قوله :«نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً» : تكلموا فيه فأكثروا. فالظاهرة وجود النعمة، والباطنة شهود المنعم. والظاهرة الدنيوية، والباطنة الدينية. والظاهرة حسن الخلق، والباطنة حسن الخلق. الظاهرة نفس بلا زلّة، والباطنة قلب بلا غفلة. الظاهرة العطاء، والباطنة الرضاء. الظاهرة في الأموال ونمائها، والباطنة في الأحوال وصفائها. الظاهرة النعمة، والباطنة العصمة. الظاهرة توفيق الطاعات، والباطنة قبولها. الظاهرة تسوية الخلق، والباطنة تصفية الخلق. الظاهرة صحبة الصالحين، والباطنة حفظ حرمتهم. الظاهرة الزهد في الدنيا، والباطنة الاكتفاء بالمولى من الدنيا والعقبى «١». الظاهرة الزهد، والباطنة الوجد. الظاهرة توفيق
١) هذه أعلى درجات الزهد، وهي تهمنا ونحن نؤرخ للتطور التأريخي الذي حدث عند ما تطور الزهد إلى تصوف (أنظر كتابنا نشأة التصوف الإسلامى (ط دار المعارف).