لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١٥٤
قوله جل ذكره :
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩)
ذكر نعمة اللّه مقابلتها بالشكر، ولو تذكرت ما دفع عنك فيما سلف لهانت عليك مقاساة البلاء في الحال، ولو تذكرت ما أولاك في الماضي لقربت من قلبك الثقة في إيصال ما تؤمّله في المستقبل.
ومن جملة ما ذكّرهم به :«١» «إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ...» كم بلاء صرفه عن العبد وهو لم يشعر! وكم شغل كان يقصده فصدّه عنه ولم يعلم! وكم أمر عوّقه والعبد يضجّ وهو - - (سبحانه) - يعلم أن في تيسيره له هلاك العبد فمنعه منه رحمة به، والعبد يتّهم ويضيق صدره بذلك! قوله جل ذكره :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١)
أحاط بهم سرادق البلاء، وأحدق بهم عسكر العدوّ، واستسلموا للاجتياح، وبلغت القلوب الحناجر، وتقسّمت الظنون، وداخلتهم كوامن الارتياب، وبدا في سويدائهم جولان الشكّ.
«هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» ثم أزال عنهم جملتها، وقشع عنهم شدّتها، فانجاب عنهم سحابها، وتفرّقت عن قلوبهم همومها، وتفجّرت ينابيع سكينتهم.
(١) يوضح القشيري هنا ما يسمى عنده (نعم المنع) وهي صنف آخر يختلف عن (نعم المنح)، والعبد - لقصر نظره - يشكر على هذه، وتخفى عليه تلك.