لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١٩١
برهان «١»، ويقال الشوق إلى اللّه، ويقال التعطّف على الخلق بجملتهم، ويقال تحرّر القلوب من رقّ الحدثان بجملته، ويقال ألا يطلب لنفسه منزلة في الدارين «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٢]
ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)
الموسّع عليه رزقه لا يضيّق عليه غير اللّه، والمحروم لا يوسّع عليه غير اللّه.
ويقال : ما يلج في قلوب العارفين من أنوار التحقيق لا سحاب يستره، ولا ضياء يقهره.
ويقال : ما يلزم قلوب أوليائه من اليقين فلا مزيل له، وما يغلق على قلوب الأعداء من أبواب الذكر فلا فاتح له غيره - سبحانه.
ويقال الذي يقرنه بقلوب أوليائه وأحوالهم من التيسير فلا ممسك له، والذي يمنعه عن أعدائه - بما يلقيهم فيه من انغلاق الأمور واستصعابها - فلا ميّسر له من دونه.
قوله جل ذكره :
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٣]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣)
من ذكر النّعمة فصاحب عبادة، ونائل زيادة، ومن ذكر المنعم فصاحب إرادة، ونائل زيادة.. ولكن فرق بين زيادة وزيادة ذلك زيادته في الدارين عطاؤه، وهذا زيادته لقاؤه :
اليوم سرّا بسرّ من حيث المشاهدة، وغدا جهرا بجهر من حيث المعاينة.
والنعمة على قسمين «٣» : ما دفع عنه من المحن، وما نفع به من المنن فذكره لما دفع عنه يوجب دوام العصمة، وذكره لما نفعه به يوجب تمام النعمة.
(١) من اختاره اللّه لمعرفته لا يتركه يتعنّى في الأدلة والبراهين بعد اجتيازه مرحلة البداية المصححة بالعقل.
بل يفك أسره من هذه القيود لينطلق في رحلة العرفان بالقلب، ثم الروح، ثم السر، ثم عين السر.
(٢) يرى الزمخشري أن الآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق وميزة فيه.. وتلك أمور لا يحيط بها وصف. [.....]
(٣) مرة أخرى يعود القشيري إلى ذكر نعم الدفع، ونعم النفع، وواضح أن الذكر والشكر لا زمان على الدوام.. هذا هو المقصد الذي يطمح إليه القشيري.