لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١٩٧
القوة في المكث، لكنه يقبل الانجبار بالماء إذ تنجبر به طينته فإذا جاد الحقّ عليه بماء الجود أعاده بعد انكساره بالذنوب «١».
و إذا كان لا يخفى عليه - سبحانه - شىء من أحوالهم في ابتداء خلقتهم، فمن يبال أن يخلق من يعلم أنه يعصى فلا يبالى أن يغفر لمن رآه يعصى «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٢]
وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)
لا تستوى الحالتان : هذه إقبال على اللّه، واشتغال بطاعته، واستقلال بمعرفته.. وهذه إعراض عن اللّه، وانقباض عن عبادته، واعتراض - على اللّه - فى قسمته وقبضته. هذه سبب وصاله، وهذه سبب هجره وانفصاله، وفي كلّ واحدة من الحالتين يعيش أهلها، ويزجى أصحابها وقتها. ولا يستوى الوقتان : هذا بسط وصاحبه في روح، وهذا قبض وصاحبه في نوح. هذا خوف وصاحبه في اجتياح، وهذا رجاء وصاحبه في ارتياح. هذا فرق وصاحبه بوصف العبودية، وهذا جمع وصاحبه في شهود الربوبية.
«وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها» : كذلك كلّ يتقرّب فى حالته لربّه ويتزيّن على بابه، وهو حليته التي بها يتحلى من طرب أو حرب، من شرف أو تلف.
(١) عرض القشيري فيما سبق لهذه النقطة عند ما تحدث عن خلق آدم وإبليس، وكيف أن ماء العناية جبر آدم حين أظهر العذر فاجتباه ربه وتاب عليه، وكيف أن الماء أطفأ نار إبليس فأنظره إلى يوم يبعثون، ليدل القشيري بذلك على أن الطين أفضل من النار، وأن إبليس أخطأ في دعوى أفضليته على آدم.
(٢) أي أن معصية العبد من العبد عملا - وفي هذا إثبات لحرية الإنسان واختياره - وإن كانت من اللّه علما...
وهو من قبل ومن بعد غافر الذنب وقابل التوب. [.....]