لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٠٠
و حقيقة الفقر المحمود تجرّد السّرّ عن المعلولات وإفراد القلب باللّه.
ويقال : الفقر المحمود العيش مع اللّه براحة الفراغ على سرمد الوقت من غير استكراه شىء منه بكلّ وجه.
قوله :«وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» : الإشارة منه أن يعطى حتى يحمد.
ويقال الغنىّ إذا أظهر غناه لأحد فإمّا للمفاخرة أو للمكاثرة - وجلّ قدر الحقّ عن ذلك - وإمّا ليجود ويتفضّل على أحد.
ويقال : لا يقول لنا أنتم الفقراء للإزراء بنا - فإنّ كرمه يتقدّس عن ذلك - وإنما المقصود أنه إذا قال : واللّه الغنى، وأنتم الفقراء أنه يجود علينا.
ويقال إذا لم تدّع ما هو صفته - من استحقاق الغنى - أولاك ما يغنيك، وأعطاك فوق ما يكفيك.
قوله جل ذكره :
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٦ الى ١٧]
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَ ما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧)
عرّفك أنه غنيّ عنك، وأشهدك موضع فقرك إليه، وأنه لا بدّ لك منه، فما القصد من هذا إلا إرادته لإكرامك وإيوائك في كنف إنعامه.
قوله جل ذكره :
[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٨]
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ مَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨)
كلّ مطالب بعمله، وكلّ محاسب عن ديوانه، ولكلّ معه شأن، وله مع كلّ أحد شأن. ومن العبادات ما تجرى فيه النيابة ولكن في المعارف لا تجرى النيابة فلو أن عبدا عاصيا منهمكا في غوايته فاتته صلاة مفروضة، فلو قضى عنه ألف ولىّ وألف صفيّ تلك الصلاة الواحدة عن كل ركعة ألف ركعة لم تقبل منه إلّا أن يجىء هو : معاذ اللّه أن نأخذ إلا ممّن وجدنا متاعنا عنده! فعتابك لا يحرى مع غيرك، والخطاب الذي معك لا يسمعه غيرك :
فسر أو أقم وقف عليك محبتى مكانك من قلبى عليك مصون
«إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ


الصفحة التالية
Icon