لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٠٤
و في الآية وجوه من الإشارة : فمنها أنه لمّا ذكر هذا بلفظ الميراث فالميراث يقتضى صحة النّسب على وجه مخصوص، فمن لا سبب له فلا نسب له، ولا ميراث له.
ومحلّ النّسب هاهنا المعرفة، ومحلّ السبب الطاعة. وإن قيل محلّ النّسب فضله، ومحل السبب فعلك «١».. فهو وجه. ويصحّ أن يقال محلّ النسب اختياره لك بدءا ومحلّ السبب إحسانه لك تاليا.
ويقال أهل النسب على أقسام :- الأقوى، والأدنى كذلك في الاستحقاق.
ويقال جميع وجوه التملّك لا بدّ فيها من فعل للعبد كالبيع، أمّا ما يملك بالهبة فلا يحصل إلا بالقبول والقسمة، ولا يحصل الاستحقاق إلا بالحضور والمجاهدة وغير ذلك : والوصية لا تستحقّ إلا بالقبول، وفي الزكاة لا بدّ من قبول أهل السّهمان، والميراث لا يكون فيه شىء من جهة الوارث وفعله، والنّسب ليس من جملة أفعاله.
ويقال الميراث يستحقّ بوجهين : بالفرض والتعصيب، والتعصيب أقوى من الفرض لأنه قد يستحق به جميع المال، ثم الميراث يبدأ بذوي الفروض ثم ما يتبقى فللعصبة «٢».
«فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ» : تكلموا في الظالم، فمنهم من قال هو الأفضل، وأرادوا به من ظلم نفسه لكثرة ما حمّلها من الطاعة.
و الأكثرون : إنّ السابق هو الأفضل، وقالوا : التقديم في الذكر لا يقتضى التقديم في الرتبة، ولهذا نظائر كثيرة «٣».
ويقال قرن باسم الظالم قرينة وهي قوله :«لِنَفْسِهِ»، وقرن باسم السابق قرينة وهي قوله :
(١) فالنسب وهبى والفعل كسبى كما أن المعرفة وهبية والطاعة كسية وإن كان الصوفية يرون أن الكسب والاجتلاب والتصرف والتكلف كلها لا تتم إلا بفضل من اللّه (أنظر شرح المكي لأبيات رابعة المبدوءة ب «أحبك حبين...» فى قوت القلوب». وهذا المعنى واضح هنا أيضا في تفسير القشيري.
(٢) العصبة واحدة العصب، وعصبة الرجل (فى الفرائض) من ليست له فريضة مسماة في الميراث، وإنما يأخذ ما أبقى ذو والفروض. أنظر رأى القشيري في تفضيل التعصيب على الفرض (المجلد الأول من هذا الكتاب ص ٣١٧)
(٣) على نحو ما يذكره البلاغيون في ذكر الخاص بعد العام.