لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٧٧
قال : نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله «١»».
والنور الذي من قبله - سبحانه - نور الّلوائح بنجوم العلم، ثم نور اللوامع ببيان الفهم، ثم نور المحاضرة بزوائد اليقين، ثم نور المكاشفة بتجلى الصفات، ثم نور المشاهدة بظهور الذات، ثم أنوار الصمدية بحقائق التوحيد.. وعند ذلك فلا وجد ولا فقد «٢»، ولا قرب «٣» ولا بعد... كلّا بل هو اللّه الواحد القهار «٤».
«فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» «٥» : أي الصلبة قلوبهم، لم تقرعها خواطر التعريف فبقيت على نكرة الجحد.. أولئك في الضلالة الباقية، والجهالة الدائمة..
قوله جل ذكره :
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٢٣]
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣)
«٦»

_
(١) أورد الغزالي هذا الخبر في منقذه، وشرح مهمة هذا النور بأنه الذي يطلب منه الكشف : وأنه ينبجس من النور الإلهى (المنقذ من الضلال ط القاهرة ص ٢٥٥).
(٢) هكذا في م وهي في ص (قصد) بالصاد وهي خطأ في النسخ، فالوجد يقابله الفقد.
(٣) فى ص (و لا فرق) والصواب أن تكون (و لا قرب) لتقابل (و لا بعد) لأنه لو قال (و لا فرق) لكان قد قال (و لا جمع) مع أن الموقف هنا موقف (جمع).. والمقصود اختفاء تقلبات التلوين، والوصول إلى مرتبة التمكين، أي الوصول إلى حال (جمع الجمع).
٤) تفيد هذه الفقرة في فهم كثير من المصطلحات، وهذه أول مرة نصادف للقشيرى عبارة (بظهور الذات) لأنه في مواضع كثيرة يلح على أن المشاهدة (للصفات كالجمال أو الجلال أو... إلخ) أما (الذات) فقد جلّت الصمدية - كما يقول - عن أن يستشرف منها مخلوق.
(٥) نزلت في أبى لهب وأولاده الذين قست قلوبهم عن ذكر اللّه. (الواحدي ص ٢٤٨) واختار الطبري القول بأن (من) فى الآية بمعنى (عن) أي قست قلوبهم عن ذكر اللّه.
(٦) قال سعد بن أبى وقاص : قال أصحاب رسول اللّه (ص) : لو حدّثتنا.. فانزل اللّه عزّ وجل «اللّه نزّل أحسن الحديث» فقالوا : لو قصصت علينا.. فنزل «نحن نقص عليك أحسن القصص»


الصفحة التالية
Icon