لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٠
سخّر اللّه لسليمان - عليه السلام - الجنّ والطير، فكان الجنّ مكلّفين، والطير كانت مسخّرة إلا أنه كان عليها شرع، وكذلك الحيوانات التي كانت في وقته، حتى النمل كان سليمان يعرف. خطابهم وينفذ عليهم حكمه.
قوله جل ذكره :
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٨]
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨)
قيل إن سليمان استحضر أمير النمل الذي قال لقومه :«ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ» وقال له :
أ ما علمت أنّى معصوم، وأنّى لن أمكّن عسكرى من أن يطئوكم؟ فأخبره أمير النمل أنّه لا يعلم ذلك لأنه ليس بواجب أن يكون النمل عالما بعصمة سليمان. ولو قال : لعلكم أبيح لكم ذلك.. لكان هذا أيضا جائزا.
وقيل إن ذلك النمل قال لسليمان : إنى أحمل قومى على الزهد في الدنيا، وخشيت إن يروكم في ملككم أن يرغبوا فيها «١»، فأمرتهم بدخول مساكنهم لئلا يتشوّش عليهم زهدهم.
ولئن صحّ هذا ففيه دليل على وجوب سياسة الكبار لمن هو في رعيتهم. وفي الآية دليل على حسن الاحتراز ممّا يخشى وقوعه، وأنّ ذلك مما تقتضيه عادة النّفس وما فطروا عليه من التمييز.
ويقال إن ذلك النمل قال لسليمان : ما الذي أعطاك اللّه من الكرامة؟.
فقال : سخّر لى الريح.
فقال : أ ما علمت أنّ الإشارة فيه أنه ليس بيدك مما أعطيت إلا الريح؟ «٢».
وهكذا بيّنه الكبير على لسان الصغير!.
قوله جلّ ذكره :
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٩]
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)
.
(١) الضمير فى (فيها) يعود على الدنيا.
(٢) أي أنه عطاء زائل لا مكث له ولا قرار.