لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣١٤
«ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ» الذي جعل سكونكم معه، وانزعاجكم له، واشتياقكم إليه، ومحبتكم فيه، وانقطاعكم إليه.
قوله جل ذكره :
[سورة غافر (٤٠) : آية ٦٤]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤)
«صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» : خلق العرش والكرسيّ والسماوات والأرضين وجميع المخلوقات ولم يقل هذا الخطاب، وإنما قال لنا :«وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» وليس الحسن ما يستحسنه الناس بل الحسن ما يستحسنه الحبيب :
ما حطك الواشون عن رتبة عندى ولا ضرّك مغتاب
كأنهم أثنوا - ولم يعلموا - عليك عندى بالذي عابوا لم يقل للشموس في علائها، ولا للأقمار في ضيائها :«وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ».
ولمّا انتهى إلينا قال ذلك، وقال :«لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» «١» ويقال إن الواشين قبّحوا صورتكم عندنا «٢»، بل الملائكة كتبوا في صحائفكم قبيح ما ارتكبتم.. ومولاكم أحسن صوركم، بأن محا من ديوانكم الزّلّات، وأثبت بدلا منها الحسنات، قال تعالى :«يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ» «٣»، وقال :
«فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ» «٤».
قوله جل ذكره :«وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ».
ليس الطيب ما تستطيبه النفس إنما الطيب ما يستطيبه القلب، فالخبز

_
(١) آية ٤ سورة التين.
(٢) ربما يقصد القشيري بذلك إبليس الذي استعلى بكونه مخلوقا من نار على آدم المخلوق من الطين.
(٣) آية ٣٩ سورة الرعد.
(٤) آية ٧٠ سورة الفرقان.


الصفحة التالية
Icon