لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٤٤
أن يجمعهم كلّهم على الفساد والعناد لم يكن دافع - وإذا لاشين منه. وحيث خلقهم مختلفين - على ما أراد - فلا مبالاة بهم.. إنه إله واحد جبّار غير مأمور، متول جميع الأمور من الخير والشر، والنفع والضر. هو الذي يحيى النفوس والقلوب اليوم وغدا، ويميت النفوس والقلوب اليوم وغدا «١».. وهو على كل شىء قوله جل ذكره :
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٠]
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠)
«فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ» : أي إلى كتاب اللّه، وسنّة نبّيه صلى اللّه عليه وسلم، وإجماع الأئمة، وشواهد القياس. والعبرة بهذه الأشياء فهى قانون الشريعة، وجملتها من كتاب اللّه فإنّ الكتاب هو الذي يدلّ على صحة هذه الجملة «٢».
ويقال : إذا لم تهتدوا إلى شىء وتعارضت منكم الخواطر فدعوا تدبيركم، والتجئوا إلى ظلّ شهود تقديره، وانتظروا ما ينبغى لكم أن تفعلوه بحكم تيسيره «٣».
ويقال إذا اشتغلت قلوبكم بحديث أنفسكم لا تدرون أبا لسعادة جرى حكمكم أم بالشقاوة مضى اسمكم؟ فكلوا الأمر فيه إلى اللّه، واشتغلوا في الوقت بأمر اللّه دون التفكّر فيما ليس لكم سبيل إلى علمه عن عواقبكم.
قوله جل ذكره :
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١١]
فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
خلق لكم من أنفسكم «أزواجا : أي أشكالا فخلق حواء من آدم وخلق
(١) الإحياء والإماتة اليوم مرتبطان بالمعاني الصوفية من صفاء وكدورة ونحو ذلك.
٢) هذا ردّ على من يتهمون الصوفية بعدم الاحتفال بالمصادر الأساسية للشريعة، فضلا عن أننا نشعر باهتمامهم بالجانب العقلي حين يبرزون «القياس» كمصدر من مصادر التشريع. [.....]
(٣) وهذا المصدر الأخير خاصة بالسادة الأولياء الأصفياء - يهمنا أمره حين ندرس مصادر الفقه الصوفي.