لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٥٥
جعل اللّه في كلّ شىء من المخلوقات دلالة على توحّده في جلاله، وتفرّده بنعت كبريائه وجماله «١».
«وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ» : والإشارة منها أنّ الحقّ - سبحانه - يغار على أوليائه أن يسكن بعضهم بقلبه إلى بعض فأبدا يبدّد شملهم، ولا تكاد الجماعة من أهل القلوب تتفق في موضع واحد إلا نادرا، وذلك لمدة يسيرة.. كما قالوا :
رمى الدهر بالفتيان حتى كأنّهم بأكناف أطراف السماء نجوم
و في بعض الأحايين قد يتفضّل الحقّ عليهم فتدنو بهم الديار، ويحصل بينهم - فى الظاهر - اجتماع والتقاء، فيكون في ذلك الوقت قد نظر الحقّ - سبحانه - بفضله إلى أنّ في اجتماعهم بركات لحياة العالم.
وهذا - وإن كان نادرا - فإنه على جمعهم - إذا يشاء - قدير.
قوله جل ذكره :
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٠]
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)
إذا تحقّق العبد بهذه الآية فإنه إذا أصابته شظية أو حالة مما يسوءه، وعلم أن ذلك جزاء له، وعقاب على ما بدر منه من سوء الأدب لاستحيى بخجلته من فعله، ولشغله ذلك عن رؤية الناس، فلا يحاول أن ينتقم منهم أو يكافئهم أو يدعو عليهم، وإنما يشغله تلافى ما بدر منه من سوء الفعل عن محاولة الانتصاف لنفسه ممن يتسلّط عليه من الخلق.. تاركا الأمر كلّه لربّه.
ويقال : إذا كثرت الأسباب من البلايا على العبد، وتوالى عليه ذلك.. فليفكّر فى أفعاله للذمومة.. كم يحصل منه حتى يبلغ جزاء ما يفعله - مع العفو الكثير - هذا المبلغ؟! فعند ذلك يزداد حزنه وتأسّفه لعلمه بكثرة ذنوبه ومعاصيه.

_
(١) سبق أن نبا القشيري إلى توحيد القالة وتوحيد الدلالة.


الصفحة التالية
Icon