لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٦٦
إمّا أبى مسعود الثقفي «١» أو أبى جهل، وهذا أيضا من فرط جهلهم.
[سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣٢]
أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)
أ هم يقسمون - يا محمد - رحمة ربك في التخصيص بالنبوة؟ أ يكون اختيار اللّه - سبحانه - على مقتضى هواهم؟ بئس ما يحكمون! «نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ.....» فلم نجعل القسمة في الحياة الدنيا لهم.... فكيف نجعل قسمة النبوة إلى هؤلاء؟!.....
والإشارة من هذا : أن الحقّ - سبحانه - لم يجعل قسمة السعادة والشقاوة إلى أحد، وإنما المردود من ردّه بحكمه وقضائه وقدره، والمقبول - من جملة عباده - من أراده وقبله... لا لعلّة أو سبب، وليس الردّ أو القبول لأمر مكتسب «٢»...
ثم إنه قسم لبعض عباده النعمة والغنى، وللبعض القلّة والفقر، وجعل لكلّ واحد منهم سكنا يسكنون إليه يستقلون به فللأغنياء وجود الإنعام وجزيل الأقسام.. فشكروا واستبشروا، وللفقراء شهود المنعم والقسّام.. فحمدوا وافتخروا.
الأغنياء وحدوا النعمة فاستغنوا وانشغلوا، والفقراء سمعوا قوله :«نَحْنُ» فاشتغلوا «٣».
(١) هو أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف، وأبو جهل من مكة فالقريتان هما الطائف ومكة.
وروى أن الوليد بن المغيرة - وكان يسمى ريحانه قريش - كان يقول : لو كان ما يقوله محمد حقا لنزل عليّ أو على أبى مسعود.
(٢) مرة أخرى ينبه القشيري إلى أن المعول عليه في الأمر فضل اللّه وقسمته، ولهذا الرأى شأنه في مسألة الثواب والعقاب التي اتخذها المعتزلة وسيلة من وسائل تبرير الحرية الإنسانية - كما نبهنا إلى ذلك في هوامش كثيرة من الكتاب.
٣) أي (اشتغلوا) باللّه وطاعته دون غاية غيريه أو مطمع زائل. ونحن لا نستبعد أنها قد تكون في الأصل (فاستقلوا) فهذا هو تعبير الشيخ المألوف في مثل هذا السياق. [.....]