لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٨٠
و أحوال هذه الطائفة «١» فى لياليهم مختلفة، كما قالوا :
لا أظلم الليل ولا ادّعى أنّ نجوم الليل ليست تزول
ليلى كما شاءت : قصير إذا جادت، وإن ضنّت فليلى طويل
«فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» يكتب من أمّ الكتاب في هذه الليلة ما يحصل في السنة كلّها من أقسام الحوادث في الخير والشرّ، فى المحن والمنن، فى النصر والهزيمة، فى الخصب والقحط.
ولهؤلاء القوم (يعنى الصوفية) أحوال من الخصب والجدب، والوصل والفصل، والوفاق والخلاف، والتوفيق والخذلان، والقبض والبسط.. فكم من عبد ينزل له الحكم والقضاء بالبعد والشقاء، وآخر ينزل حكمه بالرّفد والوفاء.
قوله جل ذكره :
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٥ الى ٦]
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦)
«رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ» : وهي الرسول - صلى اللّه عليه وسلم، قال صلوات اللّه عليه :
«أنا رحمة مهداة» ويقال :«إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ» رحمة لنفوس أوليائنا بالتوفيق، ولقلوبهم بالتحقيق.
«إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» :«السَّمِيعُ» لأنين المشتاقين، «الْعَلِيمُ» بحنين المحبين.
قوله جل ذكره :
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٧]
رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧)
مالك السماوات والأرضين، ومالك ما بينهما - وتدخل في ذلك أكساب العباد.
وتملّكها بمعنى القدرة عليها، وإذا حصل مقدور في الوجود دلّ على أنه مفعوله لأن معنى الفعل مقدور وجد «٢».
(١) يقصد طائفة الصوفية.
(٢) لا حظ كيف يحاول القشيري أن يدخل في «و ما بينهما» أفعال العباد، فحتى أكساب العباد - فى نظر هذا المتكلم داخلة - من حيث هي مقدورة - فى نطاق الخلق المنسوب إلى اللّه.