لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٩١
و كذلك العبد في فلك الاعتصام في بحار التقدير، تمشى به رياح العناية، وأشرعة التوكل مرفوعة، والسّبل في بحر اليقين واضحة. وطالما تهب رياح السلامة فالسفينة ناجية. أمّا إن هبّت نكبات الفتنة فعندئذ لا يبقى بيد الملّاح شى ء، والمقادير غالبة، وسرعان ما تبلغ قلوب أهل السفينة الحناجر.
قوله جل ذكره :
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ١٣]
وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)
«جَمِيعاً مِنْهُ» : كلّ ما خلق من وجوه الانتفاع بها - كلّه منه سبحانه فما من شىء من الأعيان الظاهرة إلّا - ومن وجه - للانسان به انتفاع.. وكلها منه سبحانه فالسماء لهم بناء، والأرض لهم مهاد.. إلى غير ذلك. ومن الغبن أن يستسخرك ما هو مسخّر لك! «١» وليتأمل العبد كلّ شىء.. كيف إن كان خلل في شىء منها ماذا يمكن أن يكون؟! فلو لا الشمس.. كيف كان يمكن أن يتصرّف في النهار؟ «٢» ولو لم يكن الليل كيف كان يسكن بالليل؟ ولو لم يكن القمر... كيف كان يهتدى إلى الحساب والآجال؟...
إلى غير ذلك من جميع المخلوقات.
قوله جل ذكره :
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ١٤]
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)
«٣» ندبهم إلى حسن الخلق، وجميل العشرة، والتجاوز عن الجهل، والتنقى من كدورات البشرية. ومقتضيات الشّحّ.
(١) هذا الكلام ينصرف إلى الدنيا بأسرها.. فلا ينبغى أن يسترقك ما هو هبة لك.
(٢) بحثا عن معاشه.
(٣) يقال إن الآية نزلت بسبب أن رجلا من قريش شتم عمر بن الخطاب فهمّ أن يبطش به. ويقال نزلت فى عمر حينما أراد أن يبطش بغلام عبد اللّه بن أبيّ حين ذهب ليستقى فمنعه حتى ملئت قرب النبي وقرب أبى بكر، فلما بلغ ذلك عبد اللّه قال : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : سمن كلبك يأكلك، فلما بلغ عمر ذلك اشتمل سيفه وأراد التوجه لقتله، فأنزل اللّه هذه الآية.