لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٩٩
يتصف في حقهما بالتأفّف، وفي ذلك تنبيه على ما وراء ذلك من أي تعنّف، وعلى أنّ الذي يسلك ذلك يكون من أهل الخسران، وبالتالى يكون ناقص الإيمان.
وسبيل العبد في رعاية حق الوالدين أن يصلح ما بينه وبين اللّه، فحينئذ يصلح ما بينه وبين غيره - على العموم، وأهله - على الخصوص.
و شرّ خصال الولد في رعاية حق والديه أن يتبرّم بطول حياتهما، ويتأذّى بما يحفظ من حقهما. وعن قريب يموت الأصل ويبقى النسل، ولا بدّ من أن يتبع النسل الأصل «١»، وقد قالوا في هذا المعنى.
رويدك إن الدهر فيه كفاية لتفريق ذات البين.. فانتظر الدهرا «٢»
قوله جل ذكره :
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢٠]
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠)
سبيل العبد ألا ينسى في كل حال معبوده، وأن يتذكر أنه معه في همّه وسروره، وفي مناجاته عند رخائه وبلائه. فإن اتفق أن حصل له أنس، وغلب عليه رجاء وبسط ثم هجم على قلبه قبض أو مسّه خوف.. فليخاطب ربّه حتى لا يكون من جملة من قيل له :«أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا...»
قوله جل ذكره :
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢١]
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١)
«٣»
(١) أي أن أولاده سوف يعاملونه بالكيفية التي عامل بها أبويه.
(٢) إذا لا حظنا اهتمام القشيري هنا برعاية حقوق الأبوين، وإذا نذكرنا أنه في موضع آخر يرى أن حقوق الشيوخ والمربين لا تقل عن ذلك «لأن الوالدين يربون الأشباح، والشيوخ يربون الأرواح» علمنا أن هذه الإشارة موجهة إلى المريدين بنفس الدرجة الموجهة إلى العموم.
٣) الأحقاف - ج حقف وهي رمال عظام معوجة لا تبلغ أن تكون جبالا. وقال الكلبي : أحقاف الجبل ما نضب عنه الماء زمن الغرق. وهناك اختلاف في مكان ديار عاد يرجع إليه في كتب التفسير.