لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٤٠٨
قوله جل ذكره :
[سورة محمد (٤٧) : آية ١٥]
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)
كذلك اليوم شأن الأولياء، فلهم شراب الوفاء، ثم شراب الصفاء، ثم شراب الولاء، ثم شراب حال اللقاء.
ولكلّ من هذه الأشربة عمل، ولصاحبه سكر وصحو فمن تحسّى شراب الوفاء لم ينظر إلى أحد في أيام غيبته عن أحبابه :
و ما سرّ صدرى منذ شطّ بك النوى أنيس ولا كأس ولا متصرف
و من شرب كأس الصفاء خلص له عن كل شوب، فلا كدورة في عهده، وهو في كلّ وقت صاف عن نفسه، خال من مطالباته «١»، قائم بلا شغل - فى الدنيا والآخرة - ولا أرب.
ومن شرب كأس الولاء عدم فيه القرار، ولم يغب بسرّه لحظة في ليل أو نهار.
ومن شرب في حال اللقاء أنس على الدوام ببقائه فلم يطلب - مع بقائه - شيئا آخر من عطائه لاستهلاكه في علائه عند سطوات كبريائه «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٦ الى ١٧]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧)
(١) أي مطالبات الحظوظ حظوظ النفس.
(٢) تنبه إلى أهمية هذه الفقرة التي أطال فيها القشيري حديثه عن الأشربة حيث لم يتاولها بفصيل في رسالته عند بحث مصطلح السّكر.