لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٤١١
و يقال : الذي على البحر يغلب عليه ما يأخذه من رؤية البحر، فإذا ركب البحر قويت هذه الحالة، حتى إذا غرق في البحر فلا إحساس له بشىء سوى ما هو مستغرق فيه ومستهلك «١».
«وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ» : اى إذا علمت أنك علمت فاستغفر لذنبك من هذا فإن الحقّ - على جلال قدره - لا يعلمه غيره «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة محمد (٤٧) : آية ٢٠]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠)
كان المسلمون تضيق قلوبهم بتباطؤ الوحى، وكانوا يتمنون أن ينزل الوحى بسرعة فقال تعالى :«فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ «٣» وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ» رأيت المنافقين يكرهون ذلك لما كان يشق عليهم من القتال، فكانوا يفتضحون عندئذ، وكانوا ينظرون إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم - بغاية الكراهة.
... فَأَوْلى لَهُمْ».

_
(١) القشيري هنا مستفيد من شيخه أبى على الدقاق حين أوضح مراحل التواجد فالوجد فالوجود قائلا :
«التواجد يوجب استيعاب العبد، والوجد يوجب استغراق العبد، والوجود يوجب استهلاك العبد، فهو كن شهد البحر ثم ركب البحر ثم غرق في البحر» الرسالة ص ٣٧.
(٢) يذكرنا هذا بقول رابعة بعد ليال قضتها في الصلاة والاستغفار :«إن صلاتنا في حاجة إلى صلاة، واستغفارنا في حاجة إلى استغفار» كما يذكرنا بقول القشيري في موضع مماثل :«... جلت الصمدية عن أن يستشرف من إدراكها بشر»، وفي ذلك يقول أبو عبد اللّه الجلاء (ت ٣٠٦ ه) :
كيفية المرء ليس المرء يدركها فكيف كيفية الجبار في القدم؟
هو الذي أحدث الأشياء مبتدعا فكيف يدركه مستحدث النسم؟
(شذرات الذهب ح ٢ ص ٢٤٩).
٣) قال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهى محكمة. وقيل معناها مبينة غير متشابهة، لا نحتمل وجها إلا وجوب القتال.


الصفحة التالية
Icon