لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٥٠١
لهم بساتين وأنهار، والجمع إذا قوبل بالجمع فالآحاد تقابل بالآحاد.
فظاهر هذا الخطاب يقتضى أن يكون لكل واحد من المتقين جنة ونهر.
«فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ» : أي في مجلس صدق.
«عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» : أراد به عنديّة القربة والزلفة.
ويقال : مقعد الصدق أي مكان الصدق، والصادق في عبادته من لا يتعبّد على ملاحظة الأطماع ومطالعة الأعواض.
ويقال : من طلب الأعواض هتكته الأطماع، ومن صدق في العبوديّة تحرّر عن المقاصد الدّنيّة.
ويقال : من اشتغل بالدنيا حجبته الدنيا عن الآخرة، ومن أسره نعيم الجنة حجب عن القيام بالحقيقة، ومن قام بالحقيقة شغل عن الكون بجملته «١».

_
(١) أرباب الحقيقة لا تشغلهم فكرة الثواب والعقاب على النحو المألوف عند العابدين بنفوسهم. فجنّتهم الكبرى هي رؤيهم لمحبوبهم، ولهم في ذلك أقوال كثيرة شعر أو نثرا.. من ذلك :
قول أبى على الروذبارى :
من لم يكن بك فانيا عن حبه وعن الهوى والأنس بالأحباب
أو تيمة صبابة جمعت له ما كان مفترقا من الأسباب
فكأنه بين المراتب واقف لمنال حظّ أو لحسن مآب
و يقول الجنيد : كل محبة كانت لغرض إذا زال الغرض زالت تلك المحبة. ويقول يحيى بن معاذ :
إن ذا الحب لمن يفنى له لا لدار ذات لهو وطرف
لا ولا الفردوس - لا يألفها - لا ولا الحوراء من فوق غرف
و يقول أحدهم :
كلهم يعبدون من خوف نار ويرون الجنان حظّا جزيلا
ليس لى في الجنان النار رأى أنا لا أبتغى بحبي بديلا
(انظر كتابنا «نشأة التصوف الإسلامى» ط المعارف ص ١٩٥، ص ١٩٦).


الصفحة التالية
Icon