لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٥٢٢
حرمتنا مشاهد الأنس فلا تشغلنا بلذّات تشغلنا عن التحسّر على ما فاتنا، ولا بآلام تشغلنا عن التأسّف على ما عدمنا منك.
قوله جل ذكره :
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩)
يقال : منى الرجل وأمنى. والمعنى : هل إذا باشرتم وأنزلتم وانعقد الولد... أ أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون؟ والخلق هاهنا : التصوير أي : أ أنتم تجمعون صور المولود وتركّبون أعضاءه.. أم نحن؟
و هم كانوا يقرّون بالنشأة الأولى فاحتجّ بهذا (على جواز النشأة الأخرى عند البعث الذي كانوا ينكرونه. وهذه الآية أصل فى) «١» إثبات الصانع فإن أصل خلقة الإنسان من قطرتين : قطرة من صلب الأب وهو المنى وقطرة من تريبة الأم «٢»، وتجتمع القطرتان في الرّحم فيصير الولد. وينقسم الماء ان المختلطان إلى هذه الأجزاء التي هي أجزاء الإنسان من العظم والعصب والعرق والجلد والشّعر.. ثم يركبها على هذه الصور في الأعضاء الظاهرة وفي الأجزاء الباطنة حيث يشكّل كل عضو بشكل خاص، والعظام بكيفية خاصة.. إلى غير ذلك.
وليس يخلو : إمّا أن يكون الأبوان يصنعانه - وذلك التقدير محال لتقاصر علمهما وقدرتهما عن ذلك وتمنّيهما الولد ثم لا يكون، وكراهتهما الولد ثم يكون! والنّطفة أو القطرة محال تقدير فعلها في نفسها على هذه الصورة لكونها من الأموات بعد، ولا علم لها ولا قدرة.
أو من غير صانع.. وبالضرورة يعلم أنه لا يجوز.
فلم يبق إلّا أن الصانع القديم الملك العليم هو الخالق «٣».
قوله جل ذكره :
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١)
.
(١) ما بين القوسين موجود في م وغير موجود في ص.
(٢) تريبة الأم عظمة الصدر والجمع ترائب.
(٣) هذا نموذج طيب يصوّر طريقة القشيري متكلما.