لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٥٣٩
ألم يحن للذين آمنوا أن تتواضع قلوبهم وتلين لذكر اللّه وللقرآن وما فيه من العبر؟
و ألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل؟ وأراد بهم اليهود، وكثير من اليهود فاسقون كافرون.
وأراد بطول الأمد الفترة التي كانت بين موسى ونبيّنا صلى اللّه عليه وسلم، وفي الخبر :
أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصابتهم ملالة فقالوا : لو حدّثتنا.
فأنزل اللّه تعالى :«اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ...» فبعد مدّة قالوا :
لو قصصت علينا! فأنزل اللّه تعالى :«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ...» فبعد مدة قالوا : لو ذكّرتنا ووعظتنا! فأنزل اللّه تعالى هذه السورة.
وفي هذه الآية ما يشبه الاستبطاء.
و إن قسوة القلب تحصل من اتباع الشهوة، والشهوة والصفوة لا تجتمعان فإذا حصلت الشهوة رحلت الصفوة. وموجب القسوة هو انحراف القلب عن مراقبة الربّ. ويقال : موجب القسوة أوّله خطرة فإن لمّ تتدارك صارت فكرة وإن لّم تتدارك صارت عزيمة، فإن لم تتدارك جرت المخالفة، فإن لم تتدارك بالتلافى صارت قسوة وبعدئذ تصير طبعا ورينا «١» قوله جل ذكره :
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٧]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)
يحيى الأرض بعد موتها بإنزال المطر عليها وإخراج النّبت منها.

_
(١) ران الثوب رينا أي تطبع وتدنّس، ورانت النفس أي خبثت وغشت. (الوسيط).


الصفحة التالية
Icon