لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٥٨٢
إشراف عليه، أو طمع إدراك في حال رؤيته، أو جواز إحاطة في العلم به... فليس إلا قالة بلسان مستنطق، وحالة بشهود حقّ مستغرق «١» :
و قلن لنا : نحن الأهلّة إنما نضىء لمن يسرى بليل ولا نقرى «٢»
قوله جل ذكره :
[سورة الجمعة (٦٢) : آية ٢]
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢)
جرّده عن كلّ تكلّف لتعلّم، وعن الاتصاف بتطلّب «٣».. ثم بعثه فيهم وأظهر عليه من الأوصاف ما فاق الجميع.
فكما أيتمه في الابتداء عن أبيه وأمّه، ثم آواه بلطفه - وكان ذلك أبلغ وأتمّ - فإنه كذلك أفرده عن تكلّفه العلم - ولكن قال :«وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ»
«٤».
وقال :«ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً» «٥» ألبسه لباس العزّة، وتوّجه بتاج الكرامة، وخلع عليه حسن التولّى... لتكون آثار البشرية عنه مندرجة «٦»، وأنوار الحقائق عليه لائحة.
[سورة الجمعة (٦٢) : آية ٣]
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)

_
(١) هذه الفقرة التي كتبها القشيري عن (القدوس) على جانب كبير من الأهمية إذ هي توضح : أن الصوفي مهما ارتفع في معراجه الروحي لا يستشرف من (الذات) فقد جلّت الصمدية عن ذلك، وإنما هو يتحقق من شهود (الفعل).. ولا شكّ أن أهل السنة المتشددين سيجدون في هذا النصّ ما يعطفهم نحو التصوف وأهله.
(٢) أي ولا نستضيف... والمقصود أن السالكين طريق اللّه دائما على الدرب سائرون وأن الحق سبحانه لا وقوف على كنهه.
(٣) حتى ينتفى عنه سوء الظن في تعلّمه شيئا من الكتب السابقة، وأن ما يدعو إليه ثمرة قراءته. [.....]
(٤) آية ١١٣ سورة النساء.
(٥) آية ٥٢ سورة الشورى.
٦) هى هكذا في ص وفي م مشتبهة، والمقصود لتنطوى عنه آثار البشرية - لا البشرية نفسها - وتلوح عليه أنوار الحقائق.


الصفحة التالية
Icon