لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٥٩٠
قوله جل ذكره :
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٨]
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨)
إنما وقع لهم الغلط في تعيين الأعزّ والأذلّ فتوهّموا أنّ الأعزّ هم المنافقون، والأذلّ هم المسلمون، ولكن الأمر بالعكس، فلا جرم غلب الرسول صلى اللّه عليه وسلم والمسلمون، وأذلّ المنافقون بقوله :«وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ» : للّه عزّ الإلهية، وللرسول عزّ النبوّة، وللمؤمنين عزّ الولاية.. وجميع ذلك للّه فعزّة القديم صفته، وعزّ الرسول وعزّ المؤمنين له فعلا ومنّة وفضلا، فإذا للّه العزّة جميعا.
ويقال : كما أنّ عزّة اللّه - سبحانه - لا زوال لها فعزّة الأنبياء بأن لا عزل لهم، وعزّة المؤمنين بألا يبقى منهم مخلّد في النار.
ويقال : من كان إيمانه حقيقيا فلا زوال له.
ويقال : من تعزّز باللّه لم يلحقه تغيّر عن حاله بغير اللّه.
ويقال :
لا عزّ إلّا في طاعة اللّه، ولا ذلّ إلّا في معصية اللّه | وما سوى هذا فلا أصل له. |
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩)
لا تضيّعوا أمور دينكم بسبب أموالكم وأولادكم بل آثروا حقّ اللّه، واشتغلوا به يكفكم أمور دنياكم وأولادكم فإذا كنت للّه كان اللّه لك «١».
(١) لنتذكر ما قلناه في مدخل هذا الكتاب بأن القشيري نفسه قد ضرب المثل على ذلك حين هاجر من بلده تاركا أهله في رعاية اللّه حينما تعرّضت عقيدته للمحنة.