لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٦٠٠
إذا صدق العبد في تقواه أخرجه من بين أشغاله كالشعرة تخرج من بين العجين لا يعلق بها شى ء. ويضرب اللّه تعالى على المتّقى سرادقات عنايته، ويدخله في كنف الإيواء، ويصرف الأشغال عن قلبه، ويخرجه من ظلمات تدبيره، ويجرّده من كل أمر، وينقله إلى شهود فضاء تقديره.
قوله جل ذكره :«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ».
لم يقل : ومن يتوكل على اللّه فتوكّله حسبه، بل قال : فهو حسبه أي فاللّه حسبه أي كافيه.
«إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً».
إذا سبق له شىء من التقدير فلا محالة يكون، وبتوكّله لا يتغير المقدور ولا يستأخر، ولكنّ التوكّل بنيانه على أن يكون العبد مروّح القلب غير كاره.. وهذا من أجلّ النّعم.
قوله :
[سورة الطلاق (٦٥) : آية ٤]
وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤)
التوكل : شهود نفسك خارجا عن المنّة «١» تجرى عليك أحكام التقدير من غير تدبير منك ولا اطّلاع لك على حكمه، وسبيل العبد الخمود والرضا دون استعلام الأمر، وفي الخبر :
«أعوذ بك من علم لا ينفع» : ومن العلم الذي لا ينفع - ويجب أن تستعيذ منه - أن يكون لك شغل أو يستقبلك مهمّ من الأمر ويشتبه عليك وجه التدبير فيه، وتكون مطالبا بالتفويض - فطلبك العلم وتمنّيك أن تعرف متى يصلح هذا الأمر؟ ولأى سبب؟ ومن أيّ وجه؟ وعلى يد من؟... كل هذا تخليط، وغير مسلّم شىء منه للأكابر.
فيجب عليك السكون، وحسن الرضا. حتى إذا جاء وقت الكشف فسترى صورة الحال وتعرفه، وربما ينتظر العبد في هذه الحالة تعريفا في المنام أو ينظر فى (...) «٢» من الجامع،
(١) المنة بضم الميم هي ما في إمكان الإنسان وحيلته واستطاعته.
(٢) مشتبهة في النسختين.